فلما رأيت ذلك منه، ابتدأت بعد التسليم، فأنشدته:
العمرى لئن غال ريب الزمان … فساء، لقد غال نفسا حبيبه
ولكن علمى بما في الثواب … عند المصيبة ينسى المصيبه
فتفهم كلامي واستحسنه، ودعا بدواة وكتبه، ورأيته بعد قد انبسط وجهه، وزال عنه ما كان فيه من تلك الكآبة وشدة الجزع.
قال نفطويه: كنت عند المبرد، فمر به إسماعيل بن إسحاق، فوثب المبرد إليه، وقبل يده وأنشده:
فلما بصرنا به مقبلا … حللنا الحبا وابتدرنا القياما
فلا تفكرن قيامى له … فإن الكريم يجل الكراما
قال ابن الأنبارى أنشدنا إسماعيل القاضي:
لا تعتبن علي النوائب … فالدهر يرغم كل عاتب
واصبر على حدثانه … ان الأمور لها عواقب
ولكل صافية قذى … ولكل خالصة شوائب
كم فرحة مطوية … لك بين أثناء النوائب (٣٢٥)
وقال القاضي إسماعيل: ما عرض لي هم فادح فذكرت هذه الأبيات، إلا وجدت من روح الله ما يحل عقالى، وينعم بالى، ثم تؤول عاقبة ما أحذره إلى فاتحة ما أوثره.
وأنشد بعضهم للقاضى أسماعيل:
من كفاه من مساعيه رغيف يعتذيه … وله بيت يواريه وثوب يكتسيه
فلماذا يبذل العرض لنذل أو سفيه … ولماذا يتمادى عند ذى كبر وتيه
(٣٢٥) البيتان. الأخيران ساقطان من نسخة ط.