قال ابن طالب: وكنت لما دخلت إليه في المرتين، ما رفع إلي أحد رأساً. فلما وليت، وخرجت، فوجدت أهل الأرض وقوفاً ينتظروني على الباب. فعلمت هوى الناس للدنيا. قال ابن حارث: وكان ابن طالب، إذا وقف للحكم بين الخصمين، كتب للمطلوب القصة، التي شهد عليه بها. ثم قال له: اذهب، وطف بها على كل من عنده علم، وجئني بالأجوبة، فيها. قال ابن أبي خالد: كان ابن طالب عدلاً في قضائه، ورعاً في أحكامه، كثير المشاورة، لأهل العلم من أهل مذهبه وغيرهم. وذكر أبو عمرو الداني في كتابه: أن ابن طالب، أيام قضائه، أمر ابن برغوث المقرئ، بجامع القيروان ألا يقرأ الناس إلا بحرف نافع. وقال صاحب المغرب في أخبار المغرب: إن في أيام ابن طالب، قتل ابراهيم الفزاري، وكان ابراهيم، شاعراً. متفنناً في كثير من العلوم، مع استهزاء وطيش. وكان يحضر مجلس ابن طالب لمناظرة الفقه. فقيل إنه كان يزري به، ويتضحك بأمره، ونمت عنه أمور منكرة. فانتهى ذلك الى ابن طالب. فطلبه ابن طالب وحبسه. وشهد عليه أكثر من مائتين بالاستهزاء بالله. وبكتاب الله. وبأنبيائه. وبنبيّنا صلى الله عليه وسلم. قيل منهم ثلاثون عدلاً. فجلس له ابن طالب، وأحضر له العلماء، يحيى بن عمرو وغيره. وأمر بقتله فطعن بسكين في حنجرته. وصلب منكساً. ثم أنزل بعد ذلك، وأحرق بالنار. فحكى بعضهم: أنه لما رفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي، استدارت، وتحولت عن القبة.
فكانت آية للجميع. فكبّر الناس. وجاء كلب فولغ في دمه. فقال يحيى بن عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأسند حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: لا يلغ الكلب في دم المسلم. قال بعضهم: سمعت ابن طالب عند محنته، وسجنه يقول، وهو مسجون، في سجوده، ومناجاته: اللهم إنك تعلم أني ما حكمت بجور، ولا آثرتُ عليك أحداً من خلقك، في حكم من أحكامي، ولا خفت فيك لومة لائم. فكانت آية للجميع. فكبّر الناس. وجاء كلب فولغ في دمه.