قال: والله ما أبالى في الحق من مدحنى أو ذمنى، وما أسر بالولاية ولا أستوحش للعزل؛
فقال له: اقبل القضاء ولا بأس عليك.
وذكر أن ابن بشير ولى القضاء بقرطبة مرتين، وكان بعض إخوانه يعاتبه في صلابته في الحق في الحكومة، ويقول أخشى عليك العزل.
فكان يقول: ليته رأى الشقراء تقطع الطريق إلى ماردة؛
فما مضى إلا يسير حتى حدثت حادثة أظهر فيها ابن بشير صلابته، فكانت سببا لعزله، فانصرف إلى بلده كما تمنى؛
فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتى فيه بريد من قبل الأمير، يرفعه إلى قرطبة (٣٩٧)، فعدل في بعض الطريق إلى صديق له زاهد، واجتمع معه وقال له: قد أرسل في الأمير وأظن أنه يريدنى على القضاء ثانية، فما ترى؟
فقال له صديقه: إن كنت تعلم أنك تنفذ الحق على القريب والبعيد، ولا تأخذك في الله لومة لائم، فلست أرى لك أن تحرم الناس خيرك، وإن كنت تخاف أن لا تعدل، فترك الولاية أفضل لك؛
قال ابن بشير: أما الحق فلست أبالى على من أمررته إذ أظهر لي؛ فقال له: فلست أرى أن تمنع الناس خيرك.
فورد قرطبة وولى القضاء ثانية.
وقال بعضهم: إن سبب عزله أن يده قصرت عن بعض الخاصة، ومنع من الحكم عليها، فحلف بطلاق زوجته ثلاثا، وعتق مماليكه، وبصدقة ما يملك على المساكين، إن حكم بين اثنين.
(٣٩٧) أ: يرفعه إلى قرطبة - ك، ط، م: فرفعه إلى قرطبة.