فاستخرت الله تعالى على ذلك، واستعنته، جل اسمه، لتوطئة هذه المسالك، وجمعت قراطيس فقبضتها، عما استودعتها، وطالعت تآليفي فوقفت على خفي أسرارها، واستشبت محفوظاتي فأنجدتني أذكارها، فنظمت منثورها، وفصلت شذورها، ورتبت أعجازها وصدورها، وأبرزت تأليفاً مفرداً في مضمونه، بالغاً فيما قصر عليه من أنواع هذا العلم وفنونه، واقتضى النظر بين يدي الغرض تقديم مقدمات تمس الحاجة إليها، ونتمم الفائدة بالوقوف عليها، تشتمل على أبواب في ذكر المدينة وفضائلها، وتقديم علمائها وعملها، ووجوب الحجج بإجماع أهلها، وترجيح مذهب مالك بن أنس، أمامها، وتقصيت هذه الأبواب تقصياً يشفي الغليل، ونعمتها نظراً يقف بالمنصب على سواء السبيل، ثم قفيته باقتداء الأئمة وثناء العلماء عليه، ونشر فضائله وما أضيف من السر إليه، إلى سائر ما يحتاج إليه، من معرفة تاريخه ونسبه، ويتطلع إليه من مجاري أحواله في معاشرته وأدبه، واستوعبت في هذه الجملة باختصار فنونها، والاقتصار على عيونها، ما طالت به تواليف جمة، وشحنت به مجلدات عدة. إذ ألف فضائل مالك وأخباره جماعة من الأئمة، والسلف والخلف من فرق هذه الأمة، فممن ألف في ذلك وأطال