وأنت إذا نظرت لأول وهلة منازع هؤلاء الأئمة وتقررت مأخذهم في الفقه والاجتهاد في الشرع وجدت مالكاً رحمه الله تعالى ناهجاً في هذه الأصول منهاجا، مرتباً لها مراتبها ومدارجها مقدماً كتاب الله ومرتباً له على الآثار، ثم مقدماً على القياس والاعتبار، تاركاً منها لما لم يتحمله عنده الثقات العارفون بما تحملوه أو ما وجد الجمهور الجم الغفير من أهل المدينة قد عملوا بغيره وخالفوه.
ولا يلتفت إلى من تأول عليه بظنه في هذا الوجه، سوء التأويل وقوله ما لا يقوله بل يصرح أنه من الأباطيل.
ثم كان من وقوفه عن المشكلات وتحريه عن الكلام في المعوصات ما سلك به سبيل السلف الصالحين وكان يرجح الاتباع ويكره الابتداع والخروج عن سنن الماضيين، ثم سلك الشافعي سبيله وبسط مأخذه في الفقه وأصوله.
لكن خالفه في أشياء أداه إليه اجتهاده وثقوب فطنته ولم يخلصه من دركها عدم استقلاله بعلم الحديث والأثر، وتزحزحه عن الانتهاء في معرفته، ثم ما جرى بينه وبين بعض المالكية بمصر وحمله عليه حتى تميز عنهم بعد أن كان معدوداً فيهم وواحداً من جملتهم، فبان بأصحابه وتلاميذه، وصرح