ولتأويل قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، واحتج بما احتج به عبد الملك من حديث عمر وتأويل كلامه في التشكي من ذلك. وإنه لم يقدح في أبي بكر وعمر بقبيح. إنما ذكر فضلهما ولا ألحد في دين الله. والعفو عن الحدود أولى، واحتج بقوله: ادرأوا الحدود بالشبهات. قال: ولا حد أعظم من القتل وقد التبس الأمر في هارون، والله يوفق للأمير السداد.
وكتب القاضي بقرطبة إذ ذاك سعيد بن سليمان البلوطي بنحو جواب ابن عاصم. قال فيه: جاءت الآثار المحكمة والسنة الماضية بالحدود الجارية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من قتل قُتل ومن سبّ الله وأنبياءه، قتل. ومن غيّر دينه، قُتل. ومن حارب، قتل، أو حكم فيه بما جاءت فيه الآية. ولم يجد فيما لفظ به هارون شتماً، يوجب القتل. وكان لقوله مذهب لا يوجب عليه القتل، رأيت عليه الحبس والتثقيل فيه. والشدة في الأدب لما فاه به، وجدف فيه. وجاء من ابن حبيب جواب آخر طويل نحو الأول، يناقض فيه ابراهيم بن حسين بن خالد فيما ناقضه به. ويطلف عليه وعلى جميع المذكورين من الفقهاء والقاضي، وينقض عليهم ويعرض بما يوجب إسقاط فتواهم، ويصفهم واحداً واحداً، ويذكر الأمير ما يوجب عداوته هو، معهم. من تأليبهم عليه وتخريجه قبل هذا هولهم. وأنه أفتى بتجويز الظلم منهم، وأن القاضي عزل فتواه مرتين، وأن قاضي البيرة عدو لأخيه. وأساء القول جداً في ابراهيم وابن حارث، وعبد الأعلى وغيرهم ممن رأى قتله. وممن لم ير قتله، أو رأى ضربه، ثم قال: أيشك الأمير في عداوتهم لي؟ ولأهل المقام الذي قمت فيهم؟ فكيف يشاورون في أحد من الناس ويقبل لهم