قضاء قرطبة، فعدّ من خير القضاة في قصد بصيرته، وحسن هديه، وصلابة قناته. لا يميل بلومة لائم وكان إذا أشكل عليه أمر، من أحكامه، واختلف عليه الفقهاء. تأنّى به، وكتب فيه الى مصر، الى أصبغ بن الفرج وغيره، من نظرائه بكشفهم عنه، فيجابهونه بما يعمل عليه. فكأنه يحقر بذلك فقهاء قرطبة فيدنونه؟ ويتبعون عثراته. وكان أشدهم عليه، زعيم الجماعة يحيى بن يحيى، وكانت آفة هذا القاضي، قلة رضاه عن الفقهاء، وتتبعه سقطاتهم، وقلة مداراته لهم. حتى سجل سبعة عشر رجلاً منهم السخط؟ فتفرقوا عنه بأجمعهم، ورفعوا عليه من كل جانب، وسعوا عليه جهدهم، حتى عزل. وذكر أنه لما عزل وأزمع على الرجوع الى وطنه، إشبيلية، أرسل إليه رجل من الوزراء كانت له به خاصة، ودالّة، بزوامل وأعوان، وقال له: عرّفه بثنائي على حفظ عهده، وسله أن يجعل على هذه الزوامل ثقلته. فلما أتاه بذلك جزاه خيراً على فعله. وقال له: أدخل حتى ترى ما عندنا من الثقلة، لتقيم العذر فيما رددناه على أبيكم من مكرمته. فإذا بيته خلا إلا من حصير، وخابية بدقيق، وقصعة، وقلة الماء، وقدح وفراش بتبن وسريرة كان يرقد عليها. وقال هذه والله ثقلتي. والله المحمود على اليسير. ثم قال لخادمه: فرّق الدقيق على من بالباب من الفقراء. وادفع الحصير والآنية الى ضعفاء الحومة.