أَو الْمُذكر وَذَلِكَ صَبُور وصُبُر وغَدُور وغُدُر وَإِنَّمَا استوَيَا لِأَنَّهُ لَا عَلامةَ للمؤنَّث فِيهِ وَقد يجمعُون الْمُؤَنَّث فِيهِ على فَعائِلَ كَقَوْلِهِم عَجُوز وعَجائِزُ قَالَ الشَّاعِر:
(جاءتْ بِهِ عُجُزٌّ مُقَابَلةٌ ... مَا هُنَّ من جَرْم وَلَا عُكْل)
وجَدُود وجَدائِدُ وصَعُودوصَعَائِدُ وسنأتي على شرح هَذَا وَإِنَّمَا جَاءَ على فَعائِلَ لِأَنَّهُ مؤنث وكأنَّ علامَة التَّأْنِيث فِيهِ مقدَّرة فَصَارَت بمنزِلةِ صَحِيحةٍ وصَحَائِحٍ وَقَالُوا للْوالهِ عَجُول وعُجُل وَلم يقُولوا عَجائِل وسَلُوب وسُلُب وسَلائِبُ والسَّلُوب - الَّتِي سُلِبت ولَدَهَا بموتٍ أَو ذَبْح وسنأتِي على شرح ذَلِك بعد فَراغَ الْفَصْل فِي شرح جُمْلة هَذَا الْبَاب وشَبَّهوا فَعُولاً وفَعائِلَ فِي النَّعْت بِالِاسْمِ كَقَوْلِهِم قَدُوم وقَدائِمُ وقُدُم وقَلُوص وقَلائِصُ وقُلُص وَقد يُستغنَى بِبَعْض هَذَا عَن بَعْض قَالُوا صَعائدُ وَلَا يُقَال صُعُد وَيُقَال عُجُل وَلَا يُقَال عَجائِلُ قَالَ: وَلَيْسَ شيءٌ من هَذَا وَإِن عنيتَ بِهِ الآدَمِيِّينَ يجمَعُ بِالْوَاو والنُّون كَمَا أَن مؤنَّثه لَا يجمَع بالتاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ علامةُ التأنيثِ لِأَنَّهُ مذكرُ الأَصْل وَأَنا أُلخِّصَ هَذَا الفصلَ بِمَا يَحْضُرني من شرح أبي عليّ الْفَارِسِي وَأبي سعيد السيرافي قَالَا لم يُجمَع صَبُور وَكَأَنَّهُ جمع فِي الْمُؤَنَّث والمذكر جمعَ السَّلامَة لِأَن صَبُوراً قد استعمِلتْ للمؤنث بِغَيْر هاءٍ من أجلِ أَنَّهَا لم تَجْرِ على الفِعل فَلَمَّا طُرحت الهاءُ فِي الْوَاحِدَة وَإِن كَانَ التأنيثُ يُوجِب الهاءَ كَرهُوا أَن يأتُوا بجمْع يُوجِبُ مَا كَرِهُوه فِي الْوَاحِد فعُدِل بِهِ عَن السَّلامة إِلَى التكسيرِ فِي الْمُؤَنَّث فلمَّا عُدِل بِهِ عَن التكسير فِي الْمُؤَنَّث أُجْرِيَ المذكَّر مُجْراه قَالَ سِيبَوَيْهٍ: ومثلُ هَذَا مَرِئٌّ وصَفِيٌّ قَالُوا مرَايَا وصَفَايَا ومَرَايَا وصَفَايَا فعائِلُ غير أَن الإعلالَ أوجبَ لَهَا هَذَا اللفظَ كَمَا يُقَال فِي خَطِيئة خَطَايا وَفِي مَطِيَّة مَطَايَا وَهَذَا إِنَّمَا يُحْكَم فِي التصريفِ وَلَيْسَ من غَرَض هَذَا الكتابِ وَقد يجوز أَن يكون وزنُ مَرِيٍّ وصَفِيٍّ فَعِيلاً وفَعُولاً وَقَالُوا للذّكر جَزُور وجَزائِرُ لمَّا لم يكن من الآدِمِيِّين صَار فِي الْجمع كالمؤنَّث وَقد تقدم أَن مَا لَا يَعْقِل يُجْرَى مُجرى الْمُؤَنَّث فِي الْجمع قَالَ: وشبَّهوه بالذَّنُوب والذَّنائب وَقَالَ غَيره: الذَّنُوب يُذَكَّر ويؤنَّث فَمن ذَكَّره قَالَ فِي أدْنَى الْعدَد أذْنِبةٌ وَقد رُوِي أَن الملِك الغَسَّانِّي الَّذِي كَانَ أسرَ شَاسا أخَا علقمةَ بنِ عَبَدة لمَّا مدحه عَلْقمةُ وَسَأَلَهُ إطلاقَ أَخِيه أنْشد القصيدةَ فَلَمَّا أَن بلَغ إِلَى قَوْله:
(وَفِي كلِّ حَيٍّ قد خَبَطَّ بنِعْمَةٍ ... فَحُقَّ لشَأْسِ من نَداك ذَنُوبُ)
قَالَ نَعَمْ وأذْنِبةٌ فأطلقَهُ وأعطاهُ وأحسَنَ إِلَيْهِ وَأَرَادَ سِيبَوَيْهٍ بالذّنائِب على اللُّغتين جَمِيعًا قَالَ: وَقَالُوا رجُل وَدُود ورِجالٌ وُدَداء شبَّهوه بِفَعِيل لِأَنَّهُ مِثلُه فِي الزِّنَة والزِّيادة وَلم يَتَّقُوا التضعيفَ لِأَن هَذَا اللفظَ فِي كلامِهم نحوُ خُشَشاءَ قَالَ أَبُو سعيد: أمَّا قولُهم وَدُود ووُدَداءُ فَفِيهِ مخالفةُ الْقيَاس من جِهَتين إِحْدَاهمَا أَن فَعولاً لَا يُجمَع على فُعَلاءَ وَإِنَّمَا يجمع عَلَيْهِ فَعِيل ككَرِيم وكُرَماءَ وَالثَّانيَِة أنَّ فَعِيلاً إِذا كَانَ عينُ الفِعْل ولامُه من جِنْسٍ واحدٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْمَع على فُعَلاء لَا يَقُولُونَ شَديد وشُدَداءُ وَلَا جَلِيل وجُلَلاءُ وَإِنَّمَا قَالُوا وُدَداءُ لِأَنَّهُ لمَّا خَرج عَن بَابه فشَذَّ فِي وَزْن الْجمع احتملُوا شُذوذَه أَيْضا فِي التضعيفِ فشبَّهوه بخُشَشَاء فِي احتمالِ التضعيفِ وَقَوله لِأَنَّهُ مثلُه فِي الزِّنة يُرِيد زِنةَ حرف اللِّين فِي سُكُونه من فَعِيل وفَعُول والزيادةُ فيهمَا أَن الواوَ والياءَ زائِدتانِ وَقَالُوا عَدُوّ وعَدَوَّةُ فشبَّهُوه بصَدِيق وصَدِيقة كَمَا قَالُوا للْجمع عَدُوُّ وصَدِيق قَالَ السيرافي والفارسي: يُقَال عَدُوٌّ للواحدِ والاثنَيْنِ وَالْجَمَاعَة والمذكَّر والمُؤنَّث قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ الكافِرِينَ كانُوا لكم عَدُوًّا مُبِيناً} [النِّسَاء: ١٠١] وَقَالَ: {فَإِنَّهُم عَدُوٌّ لِي إِلَاّ رَبَّ العالَمِينَ} [الشُّعَرَاء: ٧٧] وَكَذَلِكَ يُقَال الصَّدِيق للْوَاحِد والاثنينِ والجماعةِ والمؤنث والمذكر وَقد يُدْخلون الهاءَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا لما تَضادَّا جَرَيا مَجْرَىً وَاحِدًا قَالَ: وَقد أُجْرِيَ شيءٌ من فَعِيل مستَوياً فِي الْمُؤَنَّث والمذكر وَذَلِكَ قَوْلك مِلْحَفَةٌ جَدِيد وسَدِيس وكَتِيبة خَصِيفٌ ورِيحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute