للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ هُوَ مَصْنُوع وَقَالَ ابْن جني فِي قَوْله:

(وَقد عَلِقَتْ دَمَ القَتِيل إزارُها ... )

أَرَادَ إزارتَها فَحذف كَمَا قَالُوا ذهب بِعُذْرَتِها وَهُوَ أَبُو عُذْرِها وَقَالُوا لَيْتَ شِعْرِي وَهُوَ من شَعَرْتُ بِهِ شِعْرةٌ ويدلك على أَن الْإِزَار مُذَكّر تكسيرهم إِيَّاه على آزرةٍ وأُزُرٍ وَلَو كَانَ مؤنثا لكُسِّرَ على آزُرٍ كشِمَالٍ وأَشْمُلٍ وَمن ذَلِك (السماءُ) الَّتِي تُظِلُّ الأرضَ تذكر وتؤنث والتذكير قَلِيل كَأَنَّهُ جمع سماوَةَ قَالَ الشَّاعِر:

(فَلَو رَفَعَ السماءُ إِلَيْهِ قَوْماً ... لَحِقْنا بالسَّماءِ معَ السَّحابِ)

فَأَما تذكيرها على أَنَّهَا مُفْردَة فقليل وَأما قَوْله: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: ١٨] على النَّسَبِ كَمَا قَالُوا دَجَاجَةٌ مُعَضِّلٌ وكما قَالَ المُمَزَّقُ العَبْدِيُّ:

(وَقد تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا ... نَسِيفاً كأُفْحُوص القَطَاةِ المُطَرِّقِ)

وَأما الْبَيْت الَّذِي أنشدناه فِي بَاب السَّمَاء والفَلَكِ:

(وَقَالَت سَمَاءُ البيتِ فَوْقَكَ مُنْهِجٌ ... وَلَمَّا تُيَسِّر أَحْبُلاً للرَّكَائِبِ)

فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ السَّمَاء الَّذِي هُوَ السّقف وَهُوَ مُذَكّر وَقد أَنْعَمت شرح هَذَا هُنَالك وأذكر مِنْهُ شَيْئا لم أذكرهُ فِي ذَلِك الْموضع لِأَن هَذَا الْموضع أَخَصُّ بِهِ قَالَ قوم إِن السَّمَاء هَا هُنَا مَنْقُول من السَّمَاء الَّتِي تظلُّ الأرضَ وَهَذَا غلط قد صرح الْفَارِسِي بتقبيحه قَالَ لَو كَانَ مَنْقُولًا مِنْهَا لبقي على التَّأْنِيث كَمَا أَن السَّمَاء الَّتِي هِيَ الْمَطَر لما كَانَت منقولة مِنْهَا ثَبت تأنيثُها ومُنْهِجٌ مُذَكّر لِأَنَّهُ خبر عَن مُذَكّر فَإِنَّمَا يحمل مثل هَذَا على النَّسَبِ إِذا كَانَ الموصوفُ لَا شكّ فِي تأنيثه كَقَوْلِهِم دجَاجَة مُعَضِّلٌ والسماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ فَأَما قَوْلهم فِي جمع السَّمَاء أسْمِيَةٌ فقد كَانَ حَقُّه أَن يكون سُمَيًّا كعَنَاقٍ وعُنُوق وَهَذَا الْمِثَال غَالب على هَذَا الْبَاب وَلكنه شَذَّ وَذكر أَبُو عَليّ عَن بعض البغداديين التَّذْكِير فِي السَّمَاء الْمَطَر قَالَ وَلذَلِك جمع على أفْعِلةٍ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْحسن أصابَتْنَا سماءٌ ثمَّ قَالُوا ثلاثُ أسْمِيَة وَإِنَّمَا كَانَ بابُه أَفْعل مثل عَناقٍ وأَعْنُقٍ قَالَ وَزَعَمُوا أَن بَعضهم قَالَ طِحَالٌ وأَطْحُلٌ وَأنْشد لرؤبة:

(إَذا رَمَى مَجْهُولَه بالأَجْنُنِ ... )

فَكَمَا جمع جَنِيناً على أَجْنُنِ وَكَانَ حَقه أَجِنَّةٌ كَذَلِك جمع سماءٌ على أَسْمِيَةٍ وَكَانَ حَقه أسْمِياً فعلى قَول أبي الْحسن تكون السَّمَاء للمطر تَسْمِيَة باسم السَّمَاء لنزوله مِنْهَا كنحو تسميتهم المزادةَ روايةٌ والفِناء عَذِرَةٌ وعَلى قَول البغدايين كَأَنَّهُ سُمِّيَ سَمَاء لارتفاعِه كَمَا سَمُّوا السَّقْفَ سماءٌ لذَلِك وَالْوَجْه قَول أبي الْحسن لروايته التأنيثَ فِيهَا وَسَنذكر تحقير السَّمَاء فِي بَاب تحقير الْمُؤَنَّث وَمن ذَلِك (الفِرْدَوْسُ) يذكر وَيُؤَنث وَهُوَ البُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الكُرُومُ وَفِي التَّنْزِيل: {أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠ - ١١] وَإِنَّمَا يذهب فِي تَأْنِيث الفِرْدَوْسِ إِلَى معنى الْجنَّة وَمن ذَلِك (الجَحِيم) يذكر وَيُؤَنث وَفِي التَّنْزِيل: {وَإذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير: ١٢] وَهِي النارُ المُسْتَحْكَمَة المُتَلَظِّيَة وجهنم مُؤَنّثَة وأسماؤها مُؤَنّثَة وَكَذَلِكَ لَظَى وسَقَر وَفِي التَّنْزِيل: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر: ٢٧] وَفِيه: {كَلَاّ إِنَّها لَظَى نَزَّاعَةٌ للشَّوَى} [المعارج: ١٥ - ١٦] وَمن ذَلِك (السَّمُومُ) مُؤَنّثَة وَقد تذكر قَالَ الراجز:

(اليَوْمُ يَوْمٌ بَارِدٌ سَمُومُه ... مَنْ جَزِعَ اليومَ فَلَا تَلُومُه)

<<  <  ج: ص:  >  >>