قالت وقد فصلت ديها عن بعضهما ثم شبكتهما. إن لي قصة طويلة وحديثاً عجباً.
قال قصيها. فلا يزال لدينا من الوقت سعة. وأحب أن أعلمها بحذافيرها.
وأدناها منه وشرعت تقص قصتها: قالت جئت من مدينة جورود في القطار والقصة طويلة وكنت أريد من رحيلي من جورود إلى موسكو أن أدخل الجامعةن ولم يسمح بالسفر من جورود إلى هذه العاصمة إلا لثلاث من اليهوديات، وكانت اليهوديات الثلاث اللاتي أُذن لهن قد لازمن الدرس منذ أعوامن وكانت صغراهن في الثلاثين أو تزيد، ولا يؤذن إلا لثلاث على حين أن في جورود آلافاً من الفتيات اليهوديات. وكنت أنا الرابعة، فكان لزاماً عليّ أن أمكث عاماً أو أكثر من عام، ولما كانت والدتي امرأة أرملة، جعلت أحتال عليها واغريها، حتى دفعت إليَّ المال الذي سألت وأذنت لي في السفر إلى موسكو للمذاكرة وطلب العلم.
فسألها الرجل: ولم تطلبين المذاكرة، ولم ترغبين في التحصيل؟ وما فائدة الكتب، وما نفع الأسفار؟ والله ليس في الكتب إلا تعب لساجيات العيون ومريض الألحاظ.
فحدقت الفتاة بصرها في الرجل عجباً ودهشة، إذ لم تتوقع مثل هذا السؤال، فجعلت تفكر في الجواب ثم شرعت تقول: أريد أن أعلم من العلم كثيراً، أريد أن أكون من لدات عظيمات النساء اللاتي أحدثن في العالم أموراً كبرى، ولا أدري ماذا يجول في خاطري من حلو الأمانيّ، وإنما أعلم أن الجهل في هذه الأيام أمر منكر معيب.
قال: وهكذا جئت إلى موسكو؟
فاسترسلت تحدثه بحديثها قالت أجل. في هذا المساء. وكان الليل قد بدأيرخي على العالم سدوله، فذهبت إلى فندق واتخذت حجرة ولوازمها، ولكن قبل أن يرسل أهل الفندق غلمانهم إلى المحطة ليأتوا بحقيبتي وجعبي، جعلوا يسألونني عن جواز سفري (الباسبورت)، فلما أنبأتهم أن ليس في يدي من جواز، تغير رأيهم وقالوا أن ليس لي حجرة عندهم وخير لي أن أذهب. . . فذهبت إلى نزل أرخص أجرة وأريتهم ما لدي يميني من مال، ولكن ما كادوا يعلمون أن ليس لدي جواز السفر حتى لفظوني من نزلهم، وطاردوني إلى بهرة الطريق. . . . فحرت في أمري ولم أدر ماذا أعمل، فأقبلت على سيدة أكلمها. فنهرتني وعاملتني كما تعامل السائلين، وانتهى بي أمري إلى أن كلمت امرأة من أولئك اللاتي