القارئ على أن يدع معرفة ذلك إلى تجاربه. بل وف يعلم الحق إذا بلغ يوماً إلى تلك الحال التي يرى فيها أن التفكير لا يعوده إلا وهو منزوف نشوانز ولا تأتي إليه الخواطر سراعاً إلا وهو ثمل سكران.
والحق المروع المخيف. هو أن الإدامن على الشراب ينقل المواهب العقليةز من دائرتها الطبيعيةز ويسلبها نشاطها. ويحرمها عملها. حتى لا تعمل إلا بمعاودته. ولا تسترد نشاطها إلا بمراجعته. وأن السكير ليفقد نفسه في ساع صحوهز ويتجرد عن روحه في أوقات أفاقه. وأن في الأذى لخيراً له.
فأنظر في الآن أيها القارئ وأنا في غلواء الشباب. وروق العمر. قد عدت أبله ممروراً. ورحت ضارعاً مهزولاً. وأسمعني أعد الأرباح التي جنيتها من كؤوس الليل. والفوائد التي اكتسبتها من أقداح السحر.
كنت منذ أثنتي عشر سنة صحيح العقل. سليم البدنز ولم أكن مرير القوى. بل أني لأظن أن جسمي كان في نجوة من الأمراض. ولم أكن أعرف الشراب ولا احتساءه. ولم أكن أعرف الخوان ولا أصحابه.
أما الآن فلا يفارقني الألم. إلا إذا فقدت نفسي في بحر من الشراب.
كنت في صيفي وشتائي أصحو من نومي. قبل أن تؤذن الساعة السادسة صبحاً. كنت أقوم ناعم البال. منتعش القوىز لا تكاد تغيب عني عذب الخواطر وبهيج الأفكار. ولا تكاد تفوتني نجوى لليوم الوليد. أو أنشودة للصبح المشرق. أو أغنية للضحى الساجي. واليوم أنفض عني ساعات الرقاد. وأنا ضائق الذرع باليوم المقبل. يسعى في أثره العناء. ويماشيه الجهد والشقاء. وأنا منتفخ السحر بمقدمه. أود لو أني أستطيع ملازمة الفراش. وأوثر أن يطول بي أمد الإغفاء.
وأن لحياتي في اليقظة ما في مخيف الأحلام من متعبة وتردد واضطراب. وكأني في غداة اليوم أتعثر بربى مظلمة وجبال.
أما في عملي. ولم يكن ملائماً طبيعتي جد الملاءمة. بل لحاجة ينبغي أن تنفذ. وضرورة يجب أن تنجز. بل يستعان على قضائها بالابتهاجز ويستنصر في إتمامها بالفرح. فقد اعتدت أن أبدأه في سآمة وتبرم. وأصبحت اليوم أجد فيه عناء. وألقي منه رهقاً. وأشهد