بعينين مبصرتين، وإرادة متخاذلة، ويرى الويل دافعاً إليه، ولا قوة له على رده على حين يعلم أنه محدثهن ويشهد روحه خلاء من الخير ونفسه قد ذهب عنا التقى، وهو لا يستطيع أن يتناسى زماناً كان قلبه بالخير فياضاً، وروحه بالتقوى مترعة.
ولو رأى ذلكم الشاب عيناً لي محمومة، من أثر شراب الليلة الماضية، وشهد شوقاً بي إلى رجعها، وولعاً بعودها. وميلاً إلى تكرارها. ولو رأى جسمي المهزول. وسمع صحاتي وعولاتي. لما وسعه إلا أن يقذف بالكأس إلى الأرض. عزة وأباء.
ورب قوم يعترضونني سائلين. إذا كنت هكذا تمتدح الرغب عن الخمر. وتريدنا على أن نفهم فهمك. ونرى رأيك. ونشعر بشعورك. وإذا كانت لذات العقل في سكونه. ومبهجة الرأس في هدوئه. خيراً من الاحتدام الذي تصف. والحرارة التي منها تتأوه. فما يمنعك أن ترجع إلى كراهيتك الخمر. وما ضرك أن تعود إلى رغبتك عنها. وإذا كانت النعمة تستحق الحرص عليها والاحتفاظ بها. فماذا يمسكك عن استردادها وماذا يؤخرك عن العود إلى احرازها؟
لى والله لو أنني بأمنيتي أعود إلى أيام الصبا. وزمان الشباب. أيام كانت نهلة من العين الصافية الصادرة. تكفي لشفاء غلتي. وإرواء ظمئي. هناك حيث شمس الصيف وملاعب الحداثة توقد الأجسامز وتحدث الغليل.
أي ماء تلك العين. أي منهل الأطفال والزهاد. ما أشوقني إلى الرجوع إليك. وما أبهجني بالعل من نميرك. والنهل من سلسالك. أني لأتمثلك في أحلامي. وأتخيلك في علالات آمالي. وعذب ماءك يبرد لساني المحترقز وقلبي الصديانز وجوفي الملتهب. ولمعدتي المتيقظة في الأحلام تمجه. وفمي المتقد يعافه.
ولكن أليس لك من سبيل قصد وطريق وسط بين جد الامتناع وهذا الإكثار القاتل؟
إليك أيها القارئ. حتى لا تبلغ يوماً إلى مثل حالتي. وحتى لا تخبر من هذه النكبة خبرتي. وتجرب من هذه البلية تجربتي. أسوق الحقيقة الهائلة. وهي أني لم أجد يوماً بين الحالتين طريقاً وسطاً!
إن الإقلال من الشراب عن ذلك القدر الكافي لتهميد جسم السكير وإرسال النوم إلى عينيه. ذلكم النوم الذي يحكي الخمود في سكونه. لا يُغني عنه شيئاً. وأني أوثر أن يصدقني