للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لي شبحه، ويلزمني حلمه، حتى ألجأ إلى تحقيقه، وأعمد إلى إرضائه، وكيف كان متصاعد دخانه، ولطف رائحته ولذات شربه، تنزع عني ألم غيابه. وتزيل عني برحاء عتابه، وكيف أشعر الآن وأنا أعترف بالقصة كلها، وأقر بحقائقها المروعة. أن بيني وبينه رابطة شديدة، وعلاقة ليس في وسع القلم وصفها.

سيعرض على قولين كأنه صورة مبالغ فها، جماعة لم يعتادوا البحث في دواعي أفعالهم، ولم يشهدوا سلاسل العادة وأغلالها، ولم يرسفوا يوماً في أسار عادة غلابة، لا عاصم اليوم منها. وملا مهرب من أسرها. كتلك التي في أغلالها سلكت. وأنا اليوم من ويلاتها اعترفت. ولكن أين المفر. من أسر لم تجد فيه عظات الخلصاء. ولا عولات الزوج. ولم يغن عنه شقاء الحياة. ولا نكد الدنيا. بل كم من بائس. لم يكن نزاعاً بطبيعته إلى الشر. ولم يكن رغاباً بسجيته عن الخير. دفع به العادة إلى الكأس والغليون.

شهدت صورة لكوريجيو. رسم فيها ثلاث نسوة وقفن أزاء رجل مقيد في جذع شجرة. أولاهن (اللذة) تعزبه وتبهجه. وثانيتهن (العادة) تسلكه في غصن الشجرة وتربطه. وثالثتهن (التوبة) تضع حية بجانبه. ويبدو على وجه الرجل بصيص من بهجة. ويظهر عليه انصراف إلى ذكرى الماضي عن الشعور بلذائذ الحاضر ومناعمه وابتهاج بالشر. واستخفاف بالخير. وتخنث أشبه بتخنث أهل صباريس. ورضى بالأسر. واختلال في الإرادة كاختلال أداة الساعة. وجمع بين اللذة والألم. وندامة بعد اقتراف. وتوبة ولا انصراف.

فلما رأيت كل ذلك عجبت بمهارة المصور وحذاقته. ولكني رجعت فبكيت نفسي. وعدت فرثيت لحالي.

لا أمل لي في تحول أمري. ولا رجاء عندي في انصراف بليتي.

وقد اصبحت غريقاً في لج نكبتي. وأني لأصيح. لو يسمع الغريقُ النداء. بأولئك الذين وضعوا رجلهم في سيلها العرم. وألقوا بأنفهم في لجها المتقاذفز ولو شهد حالي ذلكم الشاب الذي لذته أول كأس علها. وارتاح لطعم أول خمرة ذاقها. فرأي كأن مناظر الحياة تجلت لعينيه، ومثلت أمام ناظريه، وأحس كأنه قد دخل جنة اكتشفها، وخطر في دروب روضة لقيها، ولو استطاع أن يفهم ألم السكير وعذابه، إذ يشعر بأنه مرتطم في هاوية سحيقةن