ولم ألبث أن كان لي أصحاب غيرهم. أناس أهل فضل مضمر ومشهود. وقدر باطن ومعدود. ولئن بدا لي أن تعرفي لهم قد كان شراً على وويلا. فلا أدري أن يقضي الله أن تعود حياتي سيرتها الأولى. هل استطيع أن أفر من أذى ودهم. متنازلاً عن مغانمه. مضيعاً مرابحه.
لقد جئتهم يعلوني لهب أبخرة الصحبة الأولى. فكاد أقل وقود يدفعون به إلي كافياً لإشعال ناري. لأرود بها حالة أخرى.
ولم يكونوا حلفاء مدام. ولا جلساء ندمان. بل كان فيهم إثنان بالتبغ مولعان. الأول من عادة لزمته. والآخر من عادة ورثها عن أبيه. وكأنما تخير الشيطان للموجع من ذنبه. التائب من إثمه. أحسن الأحاييل لأيقاعه. وأخدع الأشراك لاصطياده. وكأني كنت بانتقالي من تجرع كؤوس تلك النار السائلة. واشتفافي أقداحاً لها وعساسا. إلى نفخ ذوائب من دخان التبغ. أخدع الشيطان وأتغفله. وأكيد له وأماكره.
ولكن الشيطان يظلم لنا إذا أردنا خلوصاً من شديد العقاب إلى خفيفه. ومن مبرح الألم إلى طفيفه. وأنه ليسعفنا إذا أردنا من آلامنا بديلاً. وإننا لنطلب الإنصراف عن منقصة لنا قديمة، إلى معجزة، فيكيل لنا الكيل كيلين. ويلزمنا منها ضعفين. وكذلك أقبل على شيطان التبغ. يسعى وراءه سبعة شياطين. كلهم ألعن منه. وكلهم أعظم شراً.
ولولا أني أشفق من سأم القارئ. لتنقلت معه بين الحالات التي اعتدت. والعادات التي التزمت. من ولع بالتبغ والجعة. إلى تدرج في معاقرة خفيف الشراب. ومن أقبال على المشعشعة بالماء. الشديدة السورة. إلى شرب خمور ممزوجة تحتوي مقداراً كبراً من خمرة (العرق) أو من سم شبهها. وكنت أقل من مزاجها حتى صرت أجرعها صرفاً.
بل أني لأعنت القراء. وأخشى أن أكون عندهم غير مصدق. لو قصصت عليهم فعل التبغ وتأثيره. وأنبأتهم باستسلامي لسلطانه. وذلتي لمفعوله. كيف أني وكنت أشعر بعد اعتزامي الخلاص منه. وإجماعي على الخروج عليه. أن في ذلك جحوداً لنعمته. وكفراناً بصداقته. وخيانة لعهده. وكيف كان يقبل علي يسألني حقاً ضيعته. ويمشي إلي يطلب وداً صرفته. وكيف كنت أنكب على إصرار الأسابيع على مقاومته. إذا التقيت بذكره اتفاقاً في رواية، أو قرأت له عرضاً وصفاً في كتاب، وكيف كان يتمثل لي بعد منتصف الليل خياله، ويتراءى