فيصفقون لها. وألقي بالمزحة فيعجبون بهاز فلم ألبث أن رحت بينهم مزاحاً صناعاً وغدوت فيهم منكتاً بارعاًز والحال أني أقل الناس استعداداً للمجون، وأبعدهم عن المزاح. لعي يصيبني إذا أردت كلاماً. وحصر يلازمني إذا رمت حديثاً، وعارض عصبي يبدو على إذا تكلمت.
أيها القارئ إن كنت عصبياً مثل. فنشدتك الله كن كيف شئت. ولكن حذار أن تصير مزَّاحاً. فإذا جنحت بك شهوة للنكت. ونزعت بك نزعة إلى المزاح. ورأيت الخواطر تهجم عليك، وشهدت طريق الأفكار تتنازعك، وإزاءك كؤوس وقوارير. فاجنب نفسك شرها، واحذر ويلها، حذرك أفجع النكبات. وأخش ضرها، خشيتك أفدح المثلات. فإن لم تستطع أن تستحق سلطان مخيلتك، فانزع بها منزعاً قصداً، وارسلها في غير هذا المنحى، أكتب مقالاً، أو أنشئ فصلاً، أو دبج وصفاً، ولكن حذار أن تطاوعها، فتكتب كما أكتب الآن، والدموع تنحدر على خديك، وشؤونك تفيض فوق وجنتيك.
وأن تكون موضوع رحمة الصديق، ورهين سخرية العدو، وأن يلحظك الغرباء، بالعين النكراء، وأن تروح مطمح أنظار السخفاء، وملقى أبصار الأغفال السفهاء، وأن تظن غبياً، في حين لا تستطيع أن تكون ذكياً، وأن يصفق لذكائكن ويهتف لظرفك، على حين وثقت من غباوتك، وتبينت في نفسك برود نكتتك. وأن تدعي للمزاح، وما بك من مزاح، ويطلب إليك المجون وما بك من مجون. ويغرر بك. ليسخر منك، وأن تنطلق تطلب للناس الفرح، فتجر عليك أشد البغضاء، وتنبعث تبحث عن اللهو فتعود بأعظم الشحناء، وأن تمشي إلى الناس بالسرور. فيؤجروك شراً ويهمزوك حقداًز وأن ترهن أصباح آلام من أجل إمساء جنون، وتضيع فسحت زمانك، وخلوات أيامك، لتؤجر عليها نزراً من تصفيق. وقليلاً من أعجاب - تلك هي الأجور التي تنالها على مزاحك. والجعول التي تعطاها على موتك.
ولكن الدهر. له ضربة صدق تنقض كل رابطة لا يمسكها إلا سبب مثل الخمر واه، كان أحنى عليّ من نفسي، وأعطف علي من حزمي، فرفع عني غطائي، فابصرت بأخلاق صحبي. وشاهدت خلالهم، فمضيت عنهم. وانصرفت عن ندواتهم. واحتجبت عن سمرهم. ولم يبق لهم عندي إثارة ود. ولا أثر عهد. إلا شروراً أخذتها عنهم. وإلا عادات تلقنتها منهم. ما برحوا على تلك الشرور متوفرين. وما زالوا بتلك العادات قائمين.