للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأن من بين هؤلاء العلماء النابهين. والأعلام الذائعي الصيت. عظيماً لا يدانيه أحد في عظمة الشأنز ونعني به ألفرد رسل ولس. ولقد قال لي يوماً وهو يبتسم (أني أعيش في زمن قبل زمني. وجيل غير جيلي).

ولقد انتهى بوفاته عصر الأبحاث في مذهب النشوء.

دخل ولس المدرسة فلم تظهر فيها مواهبه الطبيعيةز ولم تتجل بين جدرانها عبقريته. فخرج منها واشتغل مساحاًز يقيس الأرض ويذرعها. وكان يقضي أوقات الفراغ في الاشتغال بعلم النبات. فلما شب عن الطوق. وصار رجلاً. ذهب إلى لندن. لا عمل له ولا صناعةز فكانت هذه النكبة داعياً له إلى اعتزام سفر بعيد. وباعثاً على اتخاذ خطة شاقة. وهي الرحيل إلى مجاهل الأمازون وغاباته. ليشهد الطبيعة ويخرج أسرارها. وليسعى على رزقه محتطباً. وقد قال بعد ذلك الحين بستين عاماً لقد كان بي ولع شديد وشوق كبير إلى معرفة أسرار المحسوسات وأسبابها، وغرام بالجمال في كل أشكاله وألوانه ولقد وجد لروحه شبيهاً في هنري والتربيتس وفي مذكرات دارون، وجيولوجية لايل. ورحلات همبولت. وآثار شامبر. فأخذ أسفارهم في جعبته. وبدأ طوافه وتجوابه في مجاهل الأمازون وأجمه. ثم في جزر الملايو الهندية. بعيداً عن المدنية وروائها. ماثلاً في كل حين بين أيدي الطبيعة وجلالها. مراقباً عجيب تغيراتها وغريب أحوالها. شاهداً مثل دارون. وهو مبتهج طروب. حال الهمج وطبائع الوحشيين. في صفائها وطهرها. سكان الكهوف. وأهل غاب الأمازون. نائماً بين الأحراش والأدغال. جامعاً عدداً كبيراً من الفراش والخنافس والأطيارز وعلماً أكبر وأوسع لم يسبقه إليه أحد. فكان منه مثل دارون عالم طبيعي مبتكر. وكان ذلك أساس حياته وأعماله.

هناك جمع الحقائق التي تجلت له. والتي وضع بها سفره الرائع في فائدة الألوان في حماية الحشرات والطيور والحيوان من التلاشي والفناء. وهناك بدأ ذلك البحث الذي أدى به إلى وضع كتاب في توزيع الحيوان والنبات الجغرافي. وهناك في تلك الأصقاع النائية رأى الطبيعة في أبهى مناظرها. وأروع محاسنها وأجمل معالمها. هناك حيث لا يكاد ينفذ إلى وارف ظلال الغاب. ومظلم أفياء الأجم أشعة الشمس الحارة. حيث الشجر باسقة أفنائه. فارعة أغصانه. وأن منها لما يطول كأنه العمد الممدة. وأن منها لما يبلغ مائة من الأقدام.