للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الساعة الرابعة والنصف يتناول الشاي. وكان يصنعه كذلك بيده. ولا يأكل شيئاً. وكان يتناوله في مكتبه عادة. إلا إذا زارنا أصدقاء لنا مقربون. أو جاء لزيارته من يحب رؤيته. فقد كان يأتي إلى قاعة الاستقبال. وكان دائماً في استعداد للقاء الناس في ذلك الوقت من النهار. وإذا لذه الحديث. ووجد في محاضرة الزوار روحه وسروره. لم يأبه للوقت مهما أقاموا. فإن لم يكن هناك أضياف. أخذ في أي عمل له حتى الساعة السابعة ونصف مساءً وهو موعد العشاء. والطعام خفيف. شيء من الأرز والفاكهة المعتادة. ثم يشرب ماء سخناً ممزوجاً بعصير البرتقال. وقدر (ملعقة) من خفيف النبيذ.

وبعد العشاء يعمد إلى قراءة رواية. ولا يقرأ في غير ذلك الوقت. وكان يؤثر في اختياره الروايات التي تدور حوادثها حول المنزل والأسرة. ولكنه كان يحب أيضاً الروايات التي تحوي الغرائب والمخاطر.

وكان يأوي إلى فراشه بين العاشرة والحادية عشر. وهذا نظام أغلب أيامه. ولكنها لا تخلو بطبيعة الحال من تغير واختلاف. ففي بعض الأحيان كان يشتغل أكثر من عادته. ولا سيما إذا كان يضع كتاباً له. وفي أوقات أخر. إذا لم يكن عنده ما يكتبه. يجعل كل همه في العناية بنباتاته. يغير أمكنتها. أو يبذر بذورها ولقد ذكا لديه مئات من أنواع النبات. كانت تبعث بذورها إليه من جميع أنحاء العالم وأرجائه.

وكان طول حياته مستقلاً. معتمداً على نفسه. يصنع كل شيء لنفسه بنفسه. يقرأ ولا يقرأ عليه. وكان يكتب رسائله بيده. ولم يستعن فيها بعون أحد. لا في أخريات أيامه. وكان نشيطاً. يتخطى المقاعد ليرفع ما سقط من الكتب. ويمشي بخطوات واسعة. ولساقه اليمنى هزة خاصة. وكان يحتذي في جولاته في الحديقة أحذية طويلة. خشبية الكعب. يبلغ طولها ثلاثة عشر (بوصة). وأن الإنسان ليعجب له كيف كان يمشي بها. وكان المشي في أوليات أيامه أحدى مباهجه. وكثيراً ما خرجنا جميعاً إلى الرياضة وترويح النفس طول اليوم. ونأخذ معنا الطعام والزاد. كنا كلما كان لنا أيام عيد أو عطلة. نمشي معه كل يوم. نخبر الأقليم المجاور ونطوف بجنباته. ونجول بأرياضه. مهتدين بمصور جغرافي نأخذه معنا في جولاتنا. ولم يكن يخشى الجراثيم أو يرهب أذاها. بل كان يطلق عليها كلمة أي (كلام فارغ). حتى لقد كان يشرب أي ماء يبدو لعينه صافياً، لا أذى فيه ولا كدر، وأني لأذكر أنه