وكل ما استحق من الفضل هو أني كنت الوسيلة التي جعلتك تكتب وتبادر بطبعها.
فكتب دارون إلى العالم الطبيعي هنري بيتس، صديق ولس الحميم. يقول ما أجمل العقل الفلسفي الذي يحمل صديقك ولس. لقد فعل من جهتي ما يفعله الرجل الصادق ذو الروح النبيلة.
تلكم شذرة من تلك القصة العطرة التي لم أذكر منها لا لمعاً. أما الرجلان في نفسهما فقد كانا أعظم شأناً من نظرية النشوء والارتقاء التي أنارت العالم بهديها. وأشرقت على الدنيا بنورها. ولم يحدث بينهما في مدى السنين التي عرف كل فيها صاحبه أدنى ظل للتنافس أو الحقد. وقد كان كل منهما على جانب عظيم من ذلكم الهدوء الذي يكسبه العلم الصحيح. ويورثه التوفر على الحق وخدمته لذاته. على حين أصبح الحق يخاف عليه أن يضيع في هذا العصر اللجب. ويفقد في هذا الجيل المتحاسد المحموم.
فلما فرغ من رحلاته وجولاته، تزوج في سنة ١٨٦٦ من ابنة المستر ميتن. ذلك العالم النباتي المشهور. وبدأ بذلك تلك الحياة المنزلية الناعمة. وخلالى الكتابة. وفرغ إلى البحث.
ولعل القارئ يلذه أن يرى شيئاً من حياة ولس اليومية في مدى العشر سنين الأخيرة من عيني أبنته. قالت.
كان ينهض من نومه الساعة الثامنةز فيتناول طعام الافطار في مكتبه وحده. وطعام أفطاره لا يزيد عن فنجان من الشاي وشيء من الكاكاو. وكان يصنعه بيده. ثم يأخذ في قراءة الصحف. فإذا فرغ من ذلك. ذهب إلى الحديقة ليتعهد شجيراته. ويرى نجماً له يكون مهتماً به في ذلك الحين
ثم يكتب عادة الرسائل أو يشتغل بكتاب له يريد أن يتمه. وفي الساعة الحادية عشر أو منتصفها يشرب ماءً ساخناً. ثم يعقبه ببرتقالة. وكان يحب البرتقال حباً جماً. وبعد ذلك يخرج إلى الحديقة. ويزور نباتاته الخصوصية. ولا يتناول طعامه التام إلا عند الساعة الواحدة. وهو يتركب من قطعة من اللحم البقري. يقطعها نتفاً صغيرة. ولم يكن يأكل الخبز ولا الخضر، بل كان يؤثر الفاكهة. وكان يلذ تلامذتي مرآه وهو يأكل اللحم بالموز والبرتقال. وكان يستريح بعد الغذاء حتى الساعة الثالثة. فإذا نهض جال جولة أخرى في الحديقة. وإن زارنا زائر قابله.