هذه كلمة مجملة اليوم وسنعود إلى تفصيل الكلام على الأستاذ جورج أبيض وترجمة حياته ورواياته ونشر صورته في الأعداد القادمة.
علي باشا أبو الفتوح
ليس الموت هو الذي يخيف ويفزعن بل هي اشراكه وحبائله. بل إن غمرات الموت وسكراته، وعويل الخلصاء، وبكاء الأقارب، والأثواب الغدافية، والمناعي والمناحات. هي التي ترينا الموت رائعاً هائلاً.
وإذا كنا لا نرهب الموت ولا نخاف وقعه، فإننا نأسي على الذين يختطفهم الموت، وهم ركن شديد لنا، وحمى منيع لدينا، بل كم من مئات من الناس يموتون في اليوم الواحد، لا يبكي الشعب عليهم، ولا يعلم عن موتهم إلا أرقاماً في الإحصائيات الأسبوعية، وكم في الأحياء من ألوف يحسبون في التعداد، وما كان أحق أن تحتويهم جداول الموتى، وكأني بالموت لا تخدعه الكثرة، ولا يغره العديد، وإلا لما رأيت الجيوش تعود من الميدان بكتائب منها، بل كم من جندي ثابت اللقاء راح في المعمعة قتيلاً، على حين عاد منها إلا كتع الهيابة يبتهج بالنصر، ويلهو بالظفر، وإلا لما رأيت العظيم ينتشل من بين شعبه وفيه الآلوف من الرذالة والغوغاء الذين يحسبون إلى شعبهم بموتهم.
وإذا كان في حياة العظيم فرح أمته وابتهاجها، فإن في موته أسى لها يزيد على قدر ذلك الفرح، لأن الأسى على العظمة المفقودة أشد من الفرح بالعظمة الموجودة، وإذا كان الفرد يبتئس بموت صديقه النافع، فما بالك بأسى مجموع الشعب على صديقه القائم على خدمته ونصرته.
تلك كلمة جالت بخاطرنا إذ ذكرنا فقيداً لنا اختطفته المنية من بيننا في الشهر المنصرم، وإذ ذكرنا فقده شهماً لا يهم بأمر إلا أمضاه، ورجلاً جمع بين النبوغ الفطري، والعزمة الراسخة والعلم الواسع. وأنا لنذكره ما دامت مجلة البيان أنه الذي عني بها ولم تك بيننا وبينه صداقة مؤكدة ولا غير مؤكدة. إذ أرسل إلينا خطاباً دون سابقة عرفان بيننا يقول أنه قد قرر اشتراك نظارة المعارف العمومية في مجلدات من البيان. ولقد زرناه في النظارة قبل مرضه بأيام فاحتفل بنا ووعدنا أن سيكتب في البيان ويعطينا صورته. فخرجنا من لدته ونحن أعلم من قبل بنبوغه وفضله ووطنيته. وأنه الرجل الكبير الفذ الذي يقدر كل مشروع