للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جناح الوهم ما كان في المجتمع مقصوصاً إلا ذرنى برهة من أحاديث الخلان وأقاصيص الإخوان وأعطني سماء زرقاء وأرضاً خضراء وفجاً عريضاً وروضاً أريضاً وثلاث ساعات قبل الغداء ثم دعني وخاطري يسبح في آفاق التأمل ما شاء فلا أخالني إلا مطلقاً عنان المرح بين هاتيك الأودية والمروج أعدو وأثب كالطفل الصغير وأغرد من الطرب كالعصفور وأصعد على سلم الوهم إلى السحابة الوطفاء فأتعلق بأهدابها ثم ألقي من ثمت بنفسي في أعماق الزمن الماضي كما ينغمس الهندي الأحمر في هبوة اللجة الطموح فتقذف به إلى وطنه العزيز وتهديه إلى مسقط رأسه وعند ذلك تثير يد الذكرى دفائن الماضي وتخرج من بحاره غرقى الحادثات الخالية وكسور الآمال التي تحطمت سالفاً في زوابع الشسقاء على صخور النحس في جو قد خبت مصابيح هداه وغارت نجوم سعوده فتخرج تلك الحوادث الغرقى وكسور هاتيك الآمال واللذات والأماني من تحت أمواج الغابر وتبدو لعيني اللهيفة رافلة في أقشب حلل الجدة وأبهى رونق البهجة نعم وتستريح أذني من لجب الجدال وضجة المناظرة ويعوضها الله من سكوت المجالس تتخلله كواذب الفصاحة ومتصنعات الحكمة سكوتاً عميقاً محضاً هو في مذهبي عين الحكمة والفصاحة وليس أحد أميل مني إلى التورية والكناية وسائر صنوف البديع وإلى المحاججة والمحاورة والنقد والتحليل ولكني قد أسأمها أحياناً واللذة تحب وتسأم ولقد أقول مع القائل دعوني هينهة أسترخ! إنكم في شان وأن في شان فإن عبتم ما أنا فيه وقلتم باطل وغى وخمود القريحة ورقدة الذهن قلت لكم هكذا تحسبون وإنكم لفي ضلال وما كنت قط أحبى شعوراً مني الساعة وأيقظ وجداناً وأشد توقداً وأذكى ذكاء أوليست هذه الوردة لذيذة المجتلى من غير شرح ولا مناقشة؟ أولم يشرب إحساسي جمال هذه الزهرة من غير مساعدة برهان ولا معونة نظرية؟ إن قلبي ليطفر نحو هذه الريحانة وإن تلك الريحانة لتطفر نحو قلبي! فإن تسلني سبب ذلك فبينته لك سخرت منه وضحكت مني (وإنما السبب هو أنها تذكرني بحادث لذة مضى ربما احتقرته أنت ولكنه كان عندي مكان الروح قيمة ومقدارا) أفليس إذن من العقل أن أكتم السر في حشاي فأصونه عن مهانة سخرك منه واستهزائك؟ وأجعله لنفسي ذكرى لذيذة أقطع بها الساعات والمسافات ومن ثم لا أكون للمساير ذلك الرفيق المؤنس والصاحب الممتع فأولى بي أن أترك لنفسي فأسير منفرداً وقد يقول قائل لم لا