للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجمع بين مسايرة الغير ومحادثة نفسك - بين مرافقة الصديق ومناجاة الخاطر والذكرى فلذلك القائل أقول إن هذا من سوء الأدب وانتهاك حرمة العشرة وإنه لمن الرياء وضرب من الخديعة وإنما يجب على المرء أن يترك نفسه إما لمشيئة الرفقاء مطلقاً وإما لمشيئة نفسه وقد سرني من المستر كوبيت إنكاره من الفرنسيين الجمع بين الغداء وشرب الراح في الوقت بعينه وكذلك أنا لا أقدر على الجمع بين الكلام والتأمل - بين المحاورة الحثيثة والتفكير العميق ولا أقول مع الكاتب ستيرن إن لم يكن في استصحاب الرفيق إلا أني أذكر له كيف يطول الظل على انحدار الشمس لكفي بذلك علة. لي على استصحابه. هذا قول بديع من ستيرن ولكني لا أوافق على الفكرة. لأن التحدث في شأن مناظر الطبيعة يضعف من روعة تأثير تلك المناظر في الشعور ويفسد من حسن وقعها في النفس. فإذا اكفتيت من الاسهاب في شرح جمال تلك المناظر بالاختصار ومن العبارة بالإشارة جاء قولك مقتضباً أبتر جافاً مبهماً. وإن شرحت وأفضت جولت لذة المنظر تعباً. وعفوه نصباً. وكتاب الطبيعة أن تنظر في سطوره يغرك بأن تفسر للرفيق آياته. وتشرح للمساير عباراته. ومن ثم إيثاري الانفراد في النزهة حتى لا أحمل على تنغيص لذة السكينة بالكلام وتكدير منهل الفكر باعتلاج دلاء المحاورة والمناقشة. وإنما للجمع والادخار تلك الساعة. وغيرها للتفسير والرأي والمناظرة.

وإنما أريد أثناء النزهة أن أرى خواطري تطفو وترسب في ذهني كأنها نتف زغب الطائر تهفو على حاشية النسيم ولا أريد أن تنشب فيها أشواك الجدال والمباحثة. وإني لا آبي على أي امرئ أن أطوي معه عشرين فرسخاً بالمناظرة ولكني أعلم أنه لا لذة في ذلك. فإني إن ذكرت للرفيق أن ذلك الحقل طيب الرائحة جازان يكون مزكوماً أو معدوم حاسة الشم. أو أومأت إلى شيء قصى لم يبعد أن يكون قصير النظر فيستعين بمرقبه ثم قد تحس في الهواء لذة خفية أو تبصر في لون إحدى السحب بهجة غير معهودة تملأ وجدانك ثم يعيبك أن تصفها أو تبين سببها. فيصبح ليس بينك وبين الرفيق ائتلاف إحساس واتحاد خاطر. متلاصقين جثماناً متباعدين وجداناً وتحاول أن توجد تلك الألفة الاحساسية فيعييك فتساء وتختم بالسخط نزهتك. ولو أن في يدي مفاتيح خزائن اللفظ الأنيق وقد تفجرت على لساني ينابيع البلاغة والبيان لحاولت أن أوقظ تلك الخواطر التي ترقد على مذهب رداء الشفق