الهند من طريق ساحل أفريقيا ودوران ماجلان حول الأرض في سفينته فيكتوريا وعلى ذكر هذه النتيجة الأخيرة وهي أعظم عمل في تاريخ الإنسان نقول إن الكاثوليكية كانت تعتقد اعتقاداً لا رجوع عنه ولا رد له إن الأرض مسطحة والسماء مهاد الجنة والجحيم في العالم الأسفل وقام بعض رجالاتها ممن لهم المكان الأسمى فأتى بحجيج فلسفية دينية يرد بها على فكرة كروية الأرض ولكن انتهى النزاع فجأة اليوم ووجدت الكنيسة نفسها على خطأ.
ولم تكن هذه وحدها النتيجة الكبرى التي تبعث تلك السياحات الثلاث بل أن روح كولومب وداجاما وماجلات سرت بين رجال الغرب وأبطاله وكانت الجماعة الإنسانية تعيش حتى ذلك العهد على ذلك المبدأ القائل: الإخلاص للملك والطاعة للكنيسة وبذلك كانت تعيش لغيرها لا لنفسها وكان أثر هذا المبدأ قد جر على الجماعات تلكم الحروب الصليبية وطاحت هذه الحروب بآلاف لا عديد لهم من قوم لم تكن لتكسبهم كسباً أو ترد لهم ربحاً بل كانت عقابها الهزيمة الكبرى والخيبة الواضحة وقد دلت التجارب على أن الرابحين منها هم الكرادلة والأحبار والكهان في روما والسفانون في البندقية، ولكن لما رأى الناس خير بلاد المكسيك وثراء أرض بيرو وبركة الهند، وعلموا أن لكل إنسان أوتي حظاً من البطولة والبأس أن يدلي فيها دلاءه ويفوز منها بقسمه، لم تلبث أن تغيرت الدواعي التي تحرك الغريبين وتستنيرهم، إذ وجدت قصة كورتيز وأخيه بزار وأريحية المستمعين في كل مجلس وندوة، وهكذا غلبت الأريحية البحرية الحمية الدينية القديمة.
وإذا كنا نريد أن نستخرج المبدأ الذي قامت عليه كل التغيرات التي حدثت في المجتمع بعد ذلك؟ لم يكن ذلك من الصعب علينا، فقد كان كل إنسان يحبو من هو أعلى منه بكل مجهوداته، ولكنه أجمع منذ ذلك الحين على أن يتنعم هو وحده بثمرات عمله، وهكذا نهضت الشخصية، وتوارى الإخلاص للملك ولم يعد بعد إلا عاطفة حسية، أما عن الدين فدعنا ننظر ماذا ألم به.
إن الشخصية تنهض على مبدأ أن الإنسان سيد نفسه. وإن له الحرية في تكوين آرائه ومبادئه، والسراح في إنجاز كل ما يريد، ومن ذلك فهو أبداً في منافسة وتسابق مع بني جنسه وما حياته إلا بمظهر من مظاهر القوة.