وإن نقل حياة الغرب من ذلك الركود الذي أسنت فيه زهاء قرون وأجيال وأحياء مواتها وإدخال مبدأ الشخصية عليها هو تحريضها على نزاع يقوم بينها وبين المؤثرات التي كانت تعمل فيها وتظلم لها ولقد مر القرن الرابع شعر وولي على أثره القرن الخامس عشر فقامت فيهما منازعات ومناوشات كانت عنواناً على ما أتت به الأيام ونبوءة لما وقع من الأحداث بعد ذلك حتى إذا كان القرن السادس عشر في أوائله أعنى حوال عام ١٥١٧ نشبت الحرب الكبرى وقامت الموقعة المأثورة إذ تجسم مبدأ الشخصية في راهب جرماني صلب العود رابط الجأش وأعلن حقوقه في شكل ديني وكان منحاه هذا ضرورياً في بادئة الأمر وقامت إذ ذاك منازعات في مسألة بيع المغفرة وغيرها من المسائل التافهة ولكن لم يلبث أن وضح الصبح لدي عينين وعرف السبب الجوهري الداعي إلى هذا النزاع وهو أن مارتن لوثر أبى أن يفكر كما أمر رجال الدين ورفض أن يرضى بآراء أحباره وكهانه وأصر على أو له حقاً قائماً لا حول عنه وهو تفسير الإنجيل لنفسه.
ولم تر روما في مارتن لوثر إذ ذاك من النظرة الأولى إلا راهباً سوقه ضعيفاً صخاباً، لا خشية منه ولا أذى، ولو استطاعت محكمة التفتيش أن تقبض عليه يومئذ لانتهت منه ومن صخبه، ولكن مضى النزاع واستمر الخلاف، ورأت الكنيسة أن مارتن لوثر ليس واقفاً إزاءها وحده بل أن وراءه آلافاً من الرجال، لهم عزيمته وثباته، كلهم وقف على عونه ونصرته فهو يمضي في القتال بقلمه وكلمه، وهم يؤيديون آراءه وينصرون مبادئه بحد المشرفيات وغرب السيوف.
وقد انهال على مارتن لوثر من أفواه رجال الدين صيب من المثالب والشتائم كانت من كثرتها مضحكة. إذ قالوا أن أباه لم يكن زوج أمه بل عفريت مسيخ فسق بها، وإن مارتن مضى في حرب مع ضميره عشرة أعوام صار بعدها زنديقاً كافراً، وأنه ينكر خلود الروح. وإنه نظم في التغني بالسكر والخمر أغنيات وأناشيد، إذ كان بهذه المأثمة مولعاً، وأنه يسب الكتب السماوية. ويفرد كل السباب لموسى وأنه لم يكن يعتقد كلمة واحدة مما كان يخطب به الناس. وفوق ذلك إن الإصلاح الذي ينويه ليس من عمله وإنما من تخرص منجم. ولقد شاع على ألسنة أحبار روما أن أراسماس وضع بيضة الإصلاح ولوثر تقفها.
ولقد وهمت روما بادئ بدء في ظنها أن لا شيء في تلك الحركة إلا ضجة عرضية ما