للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان خليط رب الوحيد في البيت كلبه وولف وهو شبيه سيده تخاذلاً وخضوعاً. وكانت مدام ونكل تعدهما متحالفين على البلادة. مصطلحين على البطالة. بل تنظر إلى الكلب بالعين الغاضبة الساخطة. كأنه السبب في تبلد سيده وتشرده. والحقيقة أن الكلب من كرام الكلاب روحاً. وأشجعها نفساً. ولكن أية شجاعة تقف إزاء بذاءة امرأة. وأي باس يغني من أذى لسانها ويدها. ولا يكاد يدخل الكلب الدار حتى تنتكس هامته. ويتساقط ذنيه أو يلتيو بين ساقيه. وأنه ليختلس الخطي في فنار الدار كالمجرمين. ويلحظ سيدته شرزاً. فإذ لمح أقل إشارة منها بالمكنسة أو المغرفة جرى إلى الباب نابحاً عاوياً.

هذا والزمان يدور على رب ويزيد في نكده وشقائه. كلما تقادمت السنون على حياته الزوجية. فإن الخلق الحاد الذميم لا يعود بمر الدهر ناعماً ليناً. وإن اللسان السليط هو السلاح المشحوذ الذي يزداد من كثرة الاستعمال رهافة ومضاء. ومكث زماناً يعزي نفسه إذا طرد من داره. ويتلهى عهن برحاء همسه. بالتردد على ندوة في القرية تجمع عقلاءها وفلاسفتها وعاطليها. تعقد جلساتها عند مقعد هناك إزاء نزل صغير. تدل عليه صورة حمراء تمثل جورج الثالث. ملك بريطانيا في ذلك العصر.

هناك يجلسون في ظلال اليوم الصائف الطويل الشقة البليد. يتحدثون عن القرية وأحوالها. ويتكلمون في شئونها وشؤون أهلها. ويقصون حكايات منومة لا نهاية لها ولا معنى. ولو علم السياسي بأمرهم وهم يتناقشون في المجلس ويتجاذبون أطراف الحديث حول أنباء صحفية قديمة نفحهم إياها سائح مر بتلك الانحاء. لما ضن على هذا المنظر بشيء من ماله. وما أشد وقار المجلس وسكونه إذا انطلق فإن بومل. معلم القرية. يتلو عليهم الصحيفة في رفق وتؤدة. وفان بومل هذا أستاذ تنبال نشيط. لا تخيفه أضخم كلمة في قاموس اللغة. وما أعظم رزانة القوم وهم يتباحثون في شؤون سياسة مضى عليها بضعة أشهر.

أما رئيس المجلس وعريفه فرجل منهم يدعى نقولا فيدر وهو كذلك قسيس القرية ورب النزل. يأخذ مجلسه إزاء نزله من مطلع الشمس إلى غسق الليل. لا يبرحه إلا هارباً من حر الهاجرة إلى ظل الدوحة الباسقة. ومن جلساته وحركاته يعرف أهل القرية أوقات النهار. عوضاً من ساعاهم. ولم يكن يتكلم إلا نادراً. ويدخن بغليونه طول يومه. على أن أتباعه وخلطاءه. ولكل عظيم إتباع وخلطاء كانوا أكثر شيء علما بأمره وما يدور في خلده.