للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سناجب، ولا يتأخر أبداً عن إعانة جار له حتى في أشقى الكدح وأصعب الأعمال، وهو إذا حان حين اللهو كان السباق إليه، وإذا اجتمع أصحاب القرية للمراح واللعب، كان في طليعة اللاعبين، واعتادت النسوة أن يستقضينه شراء حوائجهن وقضاء مشاويرهن، ويستعن به في إنجاز الأعمال الخفيفة التي لا يرضى أزواجهن إنجازها وجملة القول كان رب معداً لخدمة كلة إنسان إلا خدمة نفسه، أما عمل واجب الدار وتعهد زرعه، والعناية بأمره، فقد وجد ذلك عليه مستحيلاً. وقد صرح يوماً بأن لا جدوى من العمل في مزرعته، والحق يقال إنها كانت أسوأ أرض في كل أرجاء الإقليم.

كل شيء فيها سيء فاسد، أسوارها أبداً متهدمة، وبقرته يوماً تهيم ويوماً تخوض في الزرع فتهصره، والعشب أكثر طلوعاً في حقله، والغيث يقع في غيبته.

وأما أولاده ففي أطمار بالية وتشريد، كأنما فقدوا عهائلهم، وإن منهم صبياً قزماً له ملامح أبيه، ورث عن والده عاداته كما ورث بالى أثوابه، يمشي دائماً في أثر أمه ظالعاً كالمهر، مرتدياً (بنطلوناً) خلقاً كان لأبيه، يرفعه بيده، كما ترفع السيدة المتأنقة ذيل ثوبها في اليوم الممطر.

على أن رب فإن ونكل كان واحداً من أولئك الرجال الناعمي البال ذوي الطبائع القانعة الحمقى، أولئك الذين يرون الحياة أمراً سهلاً، سيان عندهم في الرزق الخبز الأبيض والخبز الأسمر، وكل ما ينال من أقل فكر أو عمل، الذين يؤثرون أن يتبلغوا بفلس على أن يعملوا من أجل دينار، ولو ترك رب لنفسه، وأرخي له لببه، لنفخ الحياة كالصفير في قناعة تامة ورضى، ولكن زوجته كانت أبداً تطن في أذنه، زاجرة له على تجلده واستهتاره، والويل الذي يجره على بيته، والمصيبة التي ينزلها بأسرته، وكان لسانها يلوك صباح مساء الكلم الزواجر دون (انقطاع)، وكل قول يقول أو فعل يفعل لابد أن يرسل بلاغتها وسحر بيانها. ولم يكن له إلا سبيل واحدة في الجواب على محاضرات زوجته وخطبها. وهو أن يهز كتفيه ورأسه ويرفع عينينه ولا يفوه ببنت شفة. ولم يكن ذلك إلا ليبعث زوجته على رشقه بالكلم النبال كرة أخرى. حتى ليود أن يستجمع قواه وينفلت إلى خارج الدار. وما خارج الدار إلا الحمى الوحيد الذي يحتمي فيه التعساء من المتزوجين. بل هو الكنف الذي ينطاق إليه عبيد الزوجات.