للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على حين أنه كان يجد بين تلك التماثيل صور أناس لم يعرف عنهم كثيراً من الخير وصور آخرين ما عرف عنه إلا النكر والضير.

قال الرجل أنا لا أفهم ذلك.

ثم ذهب إلى بيته وجلس إلى النار يصطلي ويحاول نسيان ما رأى.

وكان بيته حقيراً تحفه طرقات مسودة ولكنه كان عزيزاً عليه حبيباً إليه وكانت زوجته قد كبرت قبل أوانها وخشن العمل كفيها وأيبس أناملها ولكنها كانت قرة عينه وكان اصيبيته قد انحلهم سوء الغذاء وحبس البؤس شبابهم ولكنهم كانوا زينة بصره وثلجة صدره وكان أبعد غايته وأقصى أمنيته أن يرى العلم لهم قريناً والعرفان الفا وخدينا حتى لقد كان يقول إذا كان الجهل منشأ خطأي وخطلي فليكفهم التعليم غلطي وزللي وإن تعذر على أن أقطف ثمار الكتب من الفائدة واللذة فليصبحن ذلك عليهم من السهل.

ولكن الحكومة لم تر مارآه من حاجة اغيلمته إلى التعليم فأهملت تهذيبهم وتنويرهم فأبصر الرجل شيطان الجهل قد نبغ وسط داره فاستحوذ على بنيه ورأى ابنته قد أصحبت خرقاء رخوة متثاقلة وراح غلامه يركض أفراس الشهوة في سنن الغواية ويحدو اينق الباطل في سبل الجرم والجناية وأبصر نور الفطنة في أعين أطفاله يتحول مكراً وريبة حتى جعل يتمنى أنهم كانوا بلها وحمقى.

وقال أنا لا أفهم هذه الأشياء ولكني أعلم أنه ما يراد بها خير وأما وهذه الأرض المقشعرة والسماء المكفهرة والجو المغيم والأفق المظلم أني لأنكر هذه الأعمال ولا أراها جوراً وظلماً!.

ولما سكت عنه الغضب (وكان غضبه كالبرق الخاطف لا يهيج حتى يزول) نظر إلى الآحاد أيام فراغه والى الأعياد أيام بطالته ولهوه فلم يجدها إلا أسباب ملل ودواعي سأم وإلا السكر وما يعقب من المحن والمصائب فالتفت إلى الحكام وقال لهم نحن معشر العمال والمهنة أرانا قد ركب الله في طباعنا حاجة إلى اللذة النفسية واللهو الذهني فانظروا ماذا نقع فيه من الإثم والجريمة لحرماننا لذة الأنفس ومتاع الأذهان ألا فأبيحوا اللهو الحلال واستشلونا من هذه الوهدة وأطلقونا من ذلك الضيق.

فضجت الحكومة وصاحت وهاجت وماجت عند ما نادى نفر قليلون يطلبون للرجل نعمة