سلطته يكون مصدرها الإله الذي هدى الناس لاختياره. ولقد كان هذا الاحتقار سائداً آخذاً بقلوب الرئيس والمرؤوسين جميعاً. على أن سيادته لم تكن لتمنع وجود التشاور وخصوصاً في مسألة الحرب والسلم. وسبب التجاء الجمعيات القديمة إلى الشورى في هذه المسألة وجوب رضي العاملين في الحرب عنها حتى تكون طاعتهم لرئيسهم ساعة الحرب طاعة بالغة حد التفاني لأن أساسها الرضى.
لما حضرت الوفاة أبا بكر أوصى بالخلافة لعمر ووضع وصيته في غلاف ودفعه لعمر نفسه وقال له: خذ هذا الكتاب واخرج به إلى الناس وأخبرهم أنه عهدي وسلهم عن سمعهم وطاعتهم. فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم فقالوا سمعاً وطاعة. فقال له رجل ما في الكتاب يا أبا حفص، قال لا أدري ولكني أول من سمع وأطاع، قال الرجل لكني والله أدري ما فيه. أمرته عام أول وأمرك العام الإمامة والسياسة جزء أول ص ٢٣. وبهذا العهد من أبي بكر تمت البيعة لعمر على غير رضى من كثير من الناس وخصوصاً من أهل الشام. فعمل عمر عشر سنين بعد أبي بكر فو الله ما فارق الدنيا حتى أحب ولايته من كرهها وكان في غضون هذه المدة يؤمر الأمراء ويولى القضاء ويبعث بالفؤاد للفتح والغزو ويعمل كل ما يحتاجه صلاح الأمة والملة راجعاً إلى أحكام الله وسنة نبيه. وما كان لأحد أن يدخل في الأمر بأكثر من المشورة وإبداء الرأي.
وقتل عمر رضي الله عنه وخلفه عثمان بعد بعض خلاف. وبعد أن عمر طويلاً في الخلافة سائراً على منهج حسن زين له أصحابه من بني أمية الأثرة فخصهم دون غيرهم بالأمر وأصبحوا حوله حزباً وبلغ من شأنهم أن استضعفوه لكبره فكان لا يولى وال ولا يقام قضاء إلا بأمرهم ورأيهم. وزادوا في ذلك إلى حد خرج عن الذوق المعقول واستفز أبناء أبي بكر وعمر وعلي. وكان ذلك سبب قتل عثمان وذيوع الفوضي في البلاد العربية على الشكل الفظيع الذي يعرفه القارئ.
وابتدأت الحروب بين علي ومعاوية وتدرجت الحكومة بذلك من استمداد رأى الشعب كما كان أيام أبي بكر وعمر وأول خلافة عثمان ودخلت العصبيات الحزبية يحيط بكل جماعة غوغاء من الأفراد الذي لا يعرفون الحرية ولا الحق المبنية هي عليه وانتهت بظهور الاستبداد الملكي في زمن معاوية ومن خلفه من أبنائه وأقربائه. وانطفأت بذلك الشعلة