الوقتية التي أوجدها صاحب الشريعة وبقيت من بعده زمناً، ولكنها لم تجد أرضاً مستعدة لتخليدها ولا نفوساًَ تفهمها فتحتفظ بها وتنميها لتصل منها إلى حال نيابة حقيقية، ونشر الاستبداد أعلامه ونما وترعرع ولكنه بقي مختفي الأثر تحت سلطان القوة العظيمة التي كانت مظهر الدولة العربية يومئذ وبقي اسم الخليفة قروناً عظيم الرنين، وامتدت الفتوحات وكبرت الإمبراطورية العربية. هنالك بنأت تظهر عيوب الاستبداد الدخيلة من عدم استطاعة حكم البلاد الواسعة لتمكن خصوم المستبد من القيام في أطراف نائية عنه وجمع أنصار حولهم والتوصل لمغالبته وإرسال الفوضى بذلك إلى قلب المملكة. ونشأ عن ذلك نتائجه من تجزئة السلطة ومن انقطاع سير المدنية التي كانت قائمة ومن التقهقر والاضمحلال.
هذه نظرة عامة عن حال الفكرة النيابية في البلاد العربية في أيام الإسلام الأولى ومنها يرى القارئ. أن هذه الفكرة لم تكن موجودة إلا بشكل غير واضح وغير منظم لذلك سرعان ما ذهبت واختفى أثرها تحت سلطان الاستبداد. على أن العرب لم يكونوا منفردين بهذه الحالة فإن مدينة الزمان عموماً كانت بعيدة عن سيادة مثل هذه الفكرة. وذلك ما سيظهر الآن عند بحث تطورها في الأمة الرومانية.
ـ ٣ ـ
تخبرنا الأقاصيص أن روما أنشئت على تل كان قبل إنشائها سوقاً يجتمع إليه الناس من (أترسك) الشمال و (لاتين) الجنوب، وأن الذي أسسها روموليس سنة ٧٥٣ قبل الميلاد وتولى هو الأمر عليها ثم عقبه جماعة اعتبروا ملوك المدينة ولكنهم لم يكونوا من نسله ولا عقبه بل كان منهم الأترسكي والسابيني وغيرهم وكان الملك يأخذ بمشورة السناتو الذي كان يتألف من آباء العائلات ورؤساء العشائر. وإنما كانت السناتو صاحبة الرأي الغالب فيما يتعلق بمسائل الحرب والسلم فقط. وكانت تتألف من عدد معين من كبار رؤساء العشائر وذوي الأهمية منهم يختارهم الملك ليكونوا أصحاب مشورته.
وفي درجة تحت الملك وتحت العائلات المكونة يوجد الشعب وكان الشعب يومئذ هو المجموع المختلط الغير المنظم المكون من جماعة الخارجين عن عائلات الأشراف كالمهاجرين والمغلوبين الذين أتى بهم إلى أرض روما أو صغار التجار الذين اجتلبهم أمل