للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالت زوجتي إني لأستطيع الآن نوماً، لو لم يكن عواء هذه الكلاب، فما كان مني إلا أن نزلت مسرعاً درج السلم وانطلقت في الشارع، في قميص وسراويل، عاري القدمين، لا نعل ولا جوارب، وانحرفت إلى ناحية من الطريق عند ركام من الأحجار، وجعلت أقذف بها هذه الكلاب، وأعدو في أثرها، حتى أبعدتها عن الدار بمسافة طويلة وكذل قضيت تلك الليلة بجملتها عاري القدمين، خشية أن يبلغ أذنيها صوت وقع نعلى، وكان اجر الطريق من وديقة الحر لذاعاً موجعاً، ولكن مجهدتي هذه أحدثت الغرض المبتغى، والمقصد المطلوب، إذ هنأ النوم زوجتي ساعات طوالاً، فلما كان الصباح انبعثت إلى عملي، وما كنت أعود منه إلا إذا أذنت الساعة السادسة من المساء.

وما كنت يوماً بالذي يتبع ظل امرأته، ويمشي في أثر زوجته وقلما تنزهت معها، ولو فعلت لما كان لمجرد المماشاة والمتابعة، بل لمقصد غير المشي وطلبة غير المتابعة، بل لمقصد غير المشي وطلبة غير المتابعة، وأنا فوق ذلك رجل ضرب لا أحتمل الهوينا ولا أحب المشي الوئيد وهيهات لها أن تجاريني في مشيتي، ولم نمش معاً في الأربعين عاماً من زواجنا إلا مرات معدودات، ولعمري أنني رجل أبغض الزوج التابع لزوجته المماشي لها، إذ أغده خادماً أكثر منه زوجاً.

واعلم أن أكبر دليل على أنك تحبها هو أن تهب لها فراغ وقتك وخلوات ساعاتك فليت شعري ماذا عسى يقال في زوج اعتاد أن يترك داره ويغادر أهله وموقده، طالباً صحابة له في الحان أو القهوة.

وقد نبئت أنك فلما تلتقي في فرانة طولها وعرضها، شرقها والمغرب، بزوج لا يصرف المساء في القهوة أو الحن، وإني ليحزنني أن أقول أن كثيراً من الأزواج في هذا البلد ينضجون في هذه المنقصة على منوال الفرنسيين، فترى لهم أندية الشراب، وأندية التدخين وأندية المغنين، وأندية الميسر وأندية المزاح والهزل، والحال لا مبرر هناك لهذه ولا موجب. وهي سخف وحماقة وسفه في الأغراب. فكيف بالأزواج. وماذا هم قائلون لنسائهم وأبنائهم في هذا النجافي عن مراقدهم، وهذا الهجر لبيوتهم، وهذا الخفر لعهد الزوجات. وهذا المثل السيئ للأبناء.

إن في هذا لمستجمع النكبات ومستجم البلايا، وأول هذه النكبات الرزء في المال وفاتحتها