للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أول تجهيمة منك سيف إلى قلبها، وسهم إلى جوانحها، وكذلك أرادت الطبيعة أن يصبح الرجال أقل شغفاً وصبابة بعد ليلة العرس، وأن تكون النساء على العكس يزداد حبهن ويتعاظم وجدهن، وأعجب ما فيهن أنهن حديدات البصر، مستطلعات دخائل القلوب، نافذات إلى أعشار الأفئدة، فإذا وضعن أول طفل. انقسم هذا الوجد قسمين فقسم للأب وقسم للابن، وأنت قبل هذا موضوع هذا الحب بحذافيره، فإذا طمحت إلى السعادة فنشدتك الله إلا ما بادلتها هذا الحب، وتجنبت كل ما يغضبك من الناس، ويسلبك بشرك وطلاقتك. ودع كل ما يغضبك منها أو يحبسك عن السرور والتهلل واجعل عباراتك وألفاظك ونظراتك كما كانت قبل أن تسميها زوجتك.

وأظهر لها في كل حين حبك وإعجابك، لا بالتودد الفارغ ولا بالتحبب المتكلف، كأن ترفع عن الأرض منديلها أو قفارتها، أو كأن تحمل عنها مروحتها أو مظلتها، ولا بأن تنوط بعنقها القلائد، وتحبوها بالعقود والقلب والحلي، ولا بأن تكلف البلاهة والحمق فترنو وعليك سمة السرور إلى هنأتها وهفواتها ومناقصها، ولكن عليك أن تبدي دلائل الحب في أفعالك، وسمات الحنان في طيب معاملتك، وأظهر لها في أفعالك مبلغ اهتمامك لصحتها وحياتها وراحتها وهنائها، واجعل مديحك إياها يشمل جميع فضائلها، والتزم الصدق في المديح والتأثير حتى تعتقد أن لا إطراء فيه فإن الرجل الذي شأنه أطلق لزوجته إنما يعد أذنيها الاستماع ملق الناس وخداعهم ونفاقهم، واجعل أفعالك وأقوالك تحمل لها في كل ساعة وحين ضماناً على أنك تقدر صحتها وحياتها وسعادتها قبل كل شيء، وأظهر لها ذلك في أبين مظهر، ولاسيما في أزمنة الشدة، وساعات البلاء.

كانت داري أول عهدي بالزواج بمدينة فلادلفيا، وإن شئت فقل على مقربة منها ففي يوم من هاتيك الأيام، في صميم شهر يوليو القائظ، أصاب زوجتي بعد نفاسها أرق طويل، فما أخذت جفنيها إغفاءه، ولاران على عينيها الكرى مدة يومين كاملين. وأنت تعلم أن المدن الكبرى في البلدان الحارة والأقطار المصيفة أكثر ما تكون مملوءة بالكلاب، فإذا اشتد القيظ في الليل سمعت لكلاب المدينة عواء منكراً، ونباحاً طويلاً، وعراً كالجبا ففي تلك الليلة التي أنا بصددها، اشتد عواء الكلاب، حتى ليشق على امرئ صحيح الجسم غير موجع ولا عان، أن يظفر بالإغفاء لحظة وجيزة، وإني لجالس في فراشي، وكانت الساعة التاسعة، إذ