للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جذع الشجرة المحطمة وما بي من خدش ولا جرح! ولكن شاء القدر لطيارة دوكور بعد أن جازت هذه القحم وتخطت هذه العقاب واحتملت هذه اللأواء إلا أن تحترق بعد ذلك بساعات. وأما فدرين ورفيقه بونيبه فقد تعلما من صاحبهما دوكور. وعاينا ما عاين من هول وعرفا ما نال من عذاب. فتحاميا أن يلقيا بنفسهما وطيارتيهما إلى مضايق الجبل وصعابه ومن ثم كان النجاح حليفهما والتوفيق نصيبهما.

فأما بونييه وميكانيكيه بارنبيه. فوصلا المقدس بين هتاف. واكيهم الفرنسيين. وابتهاج السوريين وخفقات الأعلام وازدحام الجماهير. وتألب الناس من جميع الطبقات والأجناس.

وبلغ فدرين يافا ولكنه لم يلج على المقدس. بل انطلق في طريقه. لا يلوى على شيء حتى بلغ القاهرة واحتفل به المصريون أيما احتفال.

وهنا يجمل بنا أن نتحف القراء بما جادت به قريحة أمير الشعراء أحمد بك شوقي في استقبال هؤلاء الطيارين - وإذا كان للعلوم الطبيعية أن تفخر بالطيارات وهؤلاء الطيارين، فإن خليقاً بالآداب الرفيقة أن تفخر الفخر كله بأميرها المفدى - وإذا كانت الماديات قد أزعجت النسور في الجواء. فقد رحبت بشعر أمير الأدب ملائكة السماء - قال شوقي:

يا فرنسا نلت أسباب السماء ... وتملكت مقاليد الحواء

غلب النسر على دولته ... وتنحى لك عن عرش الهواء

وأتك الريح تمشي أمة ... لك يا بلقيس من أوفي الإماء

روضت بعد جماح وجرت ... طوع سلطانين علم وذكاء

لك خيل بجناح أشبهت ... خيل جبريل لنصر الأنبياء

وبريد يسحب الذي على ... برد في البر والبحر بطاء

تطلع الشمس فيجرى دونها ... فوق عنق الريح أو متن العماء

رحلة المشرق والمغرب ما ... لبثت غير صباح ومساء

بسلاء الأنس والجن فدى ... لفريق من بنيك البسلاء

ضاقت الأرض بهم فاتخذوا ... في السموات قبور الشهداء

فيه يمون جيران البها ... سمراء النجم في أوج الغلاء

حوما فوق جبال لم تكن ... للرياح الهوج يوماً بوطاء