للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

متخلفين عن الفرنسيين في مسألة المسائل في هذه الأيام.

فلما كان يوم الأحد لثمان خلون من فبراير الماضي، برحت طيارتان من نوع المونوبولان الفرنسي، أي الطيارة المنفردة الجناح، تقل الأولى الطيار فتحي بك وسواقه الميكانيكي الملازم صادق بك رفيق أنور باشافي بني غازي وتقل الأخرى الملازم نوري بقك ورفيقه إسماعيل حقي بك، وأقيمت لهم قبل رحلتهم حفلة شائقة في الآستانة، حضرتها ابنة السلطان مراد، وقد قدمت بيدها باقة من الزهر إلى القائد فتحي بك، وانبعث الطيارتان في ذلك اليوم شاخصة إلى القاهرة.

وحدث في الطريق لنوري بك ما عطله كثيراً، ولكن الطيار فتحي بك انطلق محلقاً لم يسف ولم يتأخر، فوصل إلى قونية في اليوم العاشر من فبراير، ثم بلغ طرسوس في الحادي عشر منه وجاز جبال طوروس على ارتفاع ٣٥٠٠ متر واستراح يومين كاملين ليملأ طيارته بحلب، فلما كان اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر، حلق في سماء بيروت في هتاف البيروتيين وتهليلهم، وقد احتفلوا به وبرفيقه احتفالاً عظيماً.

وحدث له في ١٩ فبراير حادث، لعله كان سبب الفاجعة الكبرى التي نزلت به في السابع عشر منه، إذ سقط الطيار في أحد الغدران التي تجري في أرباض بيروت واختلت طيارته اختلالاً كبيراً فاستغرق في إصلاحها خمسة أيام سوياً.

وعاود الطيران في الرابع والعشرين فبلغ دمشق بعد ساعة وعشر دقائق. بعد ما جاز جبال لبنان كرة أخرى، في احتفال كبير، وعيد أكبر، ولم يسلم أحد عنهما بعد ذلك أمراً. بل لم يلبث الناس أن رأوا إطلال الطيارة وبقاياها، وأشلاء الطيارين الشهمين على مقربة من بحيرة كبريا نضج أول مصابهما العالم الإسلامي وتقطعت عليهما الأكباد، وشقت الجيوب، وفاضت الشؤون، وسحت العبرات، على أن المصاب وأن يكن عظيماً فقد كان فخراً للعثمانيين وكيف لا يكون الفخر، والشهيدان راحا ضحية للعلم، وأكثر الضحايا من أبطال الدولة العثمانية ورجالاتها راحوا ضحايا للحروب ومدمراتها.

وقد دفن الفقيدان في حظيرة ضريح صلاح الدين الأيوبي. ونعم هذا الجوار.

أما الطيار نوري بك ورفيقه إسماعيل حقي بك، فقد سقطت الطيارة فوق أديم البحر، فغرق الطيار نوري بك، وقار الله النجاة لإسماعيل حقي بك، وقد دفن الشهيد الثالث جانب رفيقيه