للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لفراقها. كأنهم قد فارقوا وطناً لهم محبوباً.

والحقيقة المقررة أن الياباني بوجه عام أكثر حضارة ومدنية من أي أوروبي يشابهه في طبقته وبيئته. وهذه الحقيقة تتجلى لعين السائح من أول خطوة يخطوها في الطرق.

والأدب عام في اليابان في أحقر الناس. فإن السائل منهم ليسأل أحدهم ولا يخطر في باله أن مخاطبه سيرفض الإجابة عما طلب. واليابانيون يجيبون على تحيات الخدم كما يجيبون على تحية أكفائهم وصحابتهم وأقرانهم. وفي المتاحف يلقون التحية إلى الحارس. وترى الرجال الذين يتساوون في مركزهم الاجتماعي مع سائقي المركبات في فرنسا والبلاد الغربية على جانب عظيم من الأدب والتهذيب وقد نبئت أن اللغة اليابانية لا تتسع لألفاظ الشتائم والسباب. ومن يريد أن يكون منهم خشناً في القول جافاً في الكلام لا يستطيع لذلك سبيلاً. ولقد قضيت شهرين في تلك البلاد صرفت أكثرها في طرقها وشوارعها فلم أر أحداً مغضباً صاخباً. ولا سمعت يوماً صوتاً ارتفع بسباب.

والحارس يقف إذا داناه الزائر. وأنت تستطيع أن تجاذبه أطراف الحديث. لأنه على جانب عظيم من التربية بل والعلم. وربما كان من الملمين بفروع العلوم.

نحن نعيش في قرافة تحت الجمهورية. ولكن اليابانيين يعيشون في ظل المساواة الاجتماعية. وفي فرنسا ولاسيما في المدن الكبرى ينظر إليك من هو دونك كأنك خصم له وعدو كأنما أنت سبب فقره وانحطاطه. ويتقبل منك العطايا وعليه سيما الذلة أمارات الاستهانة والاستهتار. أما في اليابان فإن خادمة الحان لتؤثر أن تنفحها بحلوان زهيد. ملفوف في غلاف. مصحوب بتحية. على أن ترمي البها بعطاء كبير تتبعه غلظة ويصحبه جفاء وفي أغلب الأحيان ترى الحلوان المعطي بجفاء مرفوضاً أدباً وحياء. وقد كانوا قبل اليوم بقليل لا يضعون حداً لأجور المقام في فنادق الريف بدل يدعون ذلك إلى كرم النظيل وأدب المقيم. فإذا حان وقت الرحيل دفع صاحب الفندق إلى السائح مروحة بمثابة تبادل للضريبة التي يسمونها ثمن الشاي.

ولا تزال هذه العادة موجودة إلى الآن. ولكنها بدأت تزول لكثرة السياح والنزال.

وفي أوروبا تجد فروقاً بين الطبقات المختلفة ونفوراً بين العامة والخاصة. وكلاهما يرجع إلى زهو الأغنياء من جهة. وخشونة الفقراء من جهة أخرى. والاختلاف في التربية أكثر