للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه حائمة، والأرواح عاكفة، ترف عليه رفيف النور والأقحوان على صافي النطاف سلسال، وإذ أوتار القلوب في يديه يعزف عليها أنغام السرور، وآونة ألحان الترح يحزن ويفرح ويبكي ويضحك.

ولكتابات بيرك وخطبه المكان الأعلى لدى طالب العلوم السياسية والاجتماعية. فأما كتابات شبابه وأوائل خطبه فتمتاز بدقة التفكير والتعبير مع الإيجاز المعجز، وأما كتاباته وخطبه المتأهرة فتمتاز بكثرة المحسنات اللفظية وشدة الاحتفال والتأنق، وتنفرد بما يشبه حذاقة يد المصور وإشراق ألوانه وتنوع صبغه. وإن كتاباته وخطبه الأخيرة هي التي شبت أنكى الحروب وأفظعها حين أثار الرأي العام الإنكليزي ضد الثورة الفرنسية وبعث إنكلترا على مقاتلة فرنسا قمعاً لها وردعاً واستئصالاً لما نشرت من تلك المبادئ الخبيثة والمذاهب الممقوتة، ولئلا تنتقل منها العدوى إلى إنكلترا ويسري إليها الداء، ففي هذا يقول حذار مما نحن هاجمون عليه من الخطر العظيم - خطر إعجاب الشعب الإنكليزي بما قد أتته حكومة فرنسا من الجرائم والآثام فيقلد فظائع ديمقراطية نهابة سلابة فتاكة مفترسة سفاحة مغتصبة حمقاء هوجاء مجنونة لا مبدأ لها وليس فيها ذرة من المروءة والإنسانية ونحن مع شدة احترامنا آراء بيرك فلا يسعنا إلا مخالفته في رأيه هذا واستهجان هذا الحكم الجائر الذي أصدره على حكومة فرنسا إذ ذاك وعلى معظم الفرنسيين.

وفي ١٧٩٠ نشر بيرك سفره المسمى خواطر عن الثورة الفرنسية وهو الذي أثار الشعب الإنكليزي ضد الثورة الفرنسية وحدا به إلى ما لم تحمد عقباه من تلك الحرب العوان الحطمة. ولو ترك الفرنس وشأنهم لأسسوا حكومة نظامية ثابتة لا تقل جودة ونظاماً عن حكومة الولايات المتحدة أو حكومة الإنكليز. وكان رئيس حزب الأحرار في إنكلترا فوكس لا يرى هو وحزبه في الثورة الفرنسية إلا نزعة إلى الانتصاف، ونهضة إلى الإصلاح، ولكن بيرك خالف رأي الأحرار على أنه منهم وأبى أن يقعد معهم في المجلس وأن يضمه صفهم فانتقل إلى ناحية الحزب المضاد وجلس إلى جانب الوزراء المحافظين متحملاً مسؤولية عمله هذا. وجعل يحث الوزارة على قتال فرنسا قائلاً إذا اجترأت إحدى الحكومات على قلب كيان الشرائع والأديان عامة وسلكت من الضلال سبيلاً يخشى معها حدوث الفتنة والفوضى في ممالك أخرى وجب على الشعوب والأمم أن تحارب هذه الأمة.