للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه فأمرت به فاخرج ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولدات كأنهن التماثيل فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها وقالت يا فرزدق من أشعر الناس فقال أنا فقالت كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول:

إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا

فقال يا بنت رسول الله إن لي عليك حقاً عظيماً ضربت إليك من مكة إرادة السلام عليك فكان جزائي منك تكذيبي ومنعي من أن أسمعك وبي ما قد عيل معه صبري وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلى لا أفارق المدينة حتى أموت فإن أنا مت فأمري أن أدرج في كفني وأدفن في حر تلك الجارية: يعني الجارية التي أعجبته: فضحكت السيدة وأمرت له بالجارية فخرج بها آخذاً بريطتها (ملاأتها) وأمرت الجواري أن يدففن في أقفائهما ثم قالت يا فرزدق أحسن صحبتها فإني آثرتك بها على نفسي.

ووقفت السيدة مرة على عروة بن أذينة فقالت له يا أبا عامر أنت الذي تقول:

قالت وأبثثتها سري وبحت به ... وقد كنت عندي تحب الستر فاستتر

ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطى هواك وما ألقى على بصري

وأنت القائل:

إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم ابترد

هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد

قال نعم قالت هن حرائر وأشارت إلى جواريها أن كان خرج هذا من قلب سليم وهذا عروة بن أذينة كان من كبار العلماء وفحول الشعراء سمع ابن عمر وروى عنه مالك في الموطأ وهو القائل:

لقد علمت وما الأشراف من خلقي ... إن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى إليه فيعنيني تطلبه ... وإن قعدت أتاني لا يعنيني

لا خير في طمع يدني إلى طبع ... وغفة من قوام العيش تكفيني

كم من فقير غني النفس تعرفه ... ومن غني فقير النفس مسكين

ومن عدو رماني لو قصدت به ... لم آخذ النصف منه حين يرميني