للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعين المترجم به بعد تحرير الوقائع معاوناً في الداخلية ثم ناظراً لقلم قضايا الجيزة على أنه لم يلبث بذلك القلم إلا بضعة أسابيع حتى إذا فصلت الثورة العرابية. فصل من وظيفته. وكان انفصاله بتهمة أنه من تلاميذ الشيخ محمد عبده وأنه من المنتمين إلى المرحوم البارودي واكتفوا من عقابه بفصله.

ويجمل بنا أن لا ننسى تلك الحسنة الكبرى التي أسداها المترجم به إلى اللغة إذ كان يصحح ركيك المقالات. وقاسد الأساليب وعاثر العبارات، التي كانت تنتهي إلى الوقائع أيام كان من محرريها. فكان ذلك درساً عملياً لنشر اللغة، واتساع نطاقها. وإبرائها من ذلك الاضطراب العامي الذي يأبى أشباه العامة إلا أن تصاب اللغة منه بعدواهم. وكانت طريقته في ذلك أن ينشر الرسائل بنصها. ثم يجيء بعدها بما هو أصح منها لغة وأفصح سياقاً. حتى يتبين الصحيح من المعتل. وينكشف السليم من المختل. وحتى يعلم الذين في ألسنتهم مرض - لا زادهم الله مرضاً. إن بضاعتهم قد بان فسادها، وإن تجارتهم اللغوية قد وضح وكسها وكسادها - ونحن أن تعجب فعجب لهؤلاء الذين يأبى العرف اليوم إلا أن نسميهم من باب المجاز كتاباً وإنك لتشفق عليهم أن يبدو للناس عوارهم فتفتح لهم عبارة قد فسدت أو جملة ركت أو اصطلاحات أخلقت أو تراكيب ابتذلت على أنهم ما يزالون يريدونك على تهريب هذه المواد المحظورة ونشرها على حساب اللغة وحساب ضميرك ثم هم بعد ذلك ساخطون غاضبون لأساليبهم العصرية في حسبانهم وهي أن انتسبت إلى أي عصر لبرأ إلى الزمن كله من الانتساب إليها، وإذا أنت جئتهم من جانب النصخ والاستدارك تشفع بعضهم لك أنهم إنما يكتبون موضوعات علمية، فكأنما قد كتب على أبواب الموضوعات العلمية ممنوع دخول اللغة الصحيحة. . .

وما كان من تلك الطريقة المثلى التي سنها المترجم به إلا أن صحت لغة الدواوين من علتها وقامت نهضة مدهشة في مصالح الحكومة بلغ منها أن سواد الموظفين كانوا يهرعون إلى المدارس الليلية لتعلم اللغة العربية الفصحى.

ثم دخل في سلك المحاماة مع المرحوم حسين أفندي صقر وكان هذا رئيس قلم في نظارة الداخلية ثم فصل بسبب الثورة فانتقل صاحب الترجمة معه في المحاماة أمام المجالس الملغاة ولم تكن المحاماة في ذلك الحين شفوية بل كانت بتقارير تتبادل بين طرفي الخصوم