الأستاذ محمد عبده والهلباوي والباجوري والشيخ عبد الكريم سلمان فتلقي على الأستاذ محمد عبده القطب على الشمسية وبعض كتب في التوحيد وكان الأستاذ إذ ذاك من علماء الأزهر، ثم تعين بعد ذلك صاحب الترجمة محرراً في الوقائع المصرية وكان يرأس تحريرها الشيخ عبده وكان من بين كتابها ومحرريها الشيخ سلمان والسيد وفا زغلول شقيق نصر بك زغلول المحامي، وأقام في تحرير الوقائع سنة وبضعة أشهر يكتب بتوقيعه مقالات في الاستبداد والشورى والأخلاق وكان قبل تعيينه في الوقائع المصرية قد لخص كتاب ابن مسكويه وطبع منه أغلبه، وكان يكتب مقالات في جريدة مصر وكان يديرها ذلك الكاتب الحمي الأنف الألبي القلم أديب بك إسحق وكان بين الذين يتابعون تلك الجريدة من الكتاب سليم نقاش وكذلك كان يوافي بكتاباته صحف البرهان والمحروسة والتجارة وكلها كانت للمأسوف عليه سليم نقاش وكان الشيخ حمزة فتح الله يكتب إذ ذاك في صحيفة البرهان.
والقارئ يرى من ذلك أن المترجم به بدأ حياته العظيمة بشباه القلم وسنان اليراع يستنفد في جميع ما يكتب عصارة ذلك الذهن القوي بطبيعته الذي لا عون له إلا روح الزمن. ولا خلابة له إلا من روح صاحبه، وماذا أنت متصور من مبلغ سحر كاتب يكتب ليستمع لرنات براعته وتوقيعات قلمه أمثال أديب إسحاق ومحمد عبده وسليم نقاش ومن علمت من الفحولة الأعلام، ولعمري ما كانت الصحف وقتذاك كما ترى منها اليوم يتهجم على ميدانها التلميذ والسوقة والكاتب الفج والدعي والغبي والركيك حتى لا تكاد تقرأ في كثير منها بعد أحداث اليوم وأنبائه إلا موضوعات إنشائية لعلها نماذج المعلمين في المدارس. ولا تأخذ عينك بين أعمدتها وأنهارها إلا قصائد نسيب يصف فيها بعض هؤلاء الرصاصين وجه حبائب ولدن لهم في مخيلاتهم يشيبون بوجوه لهن سافرات - وإلى جانب هذه القصائد السافرة مقال مطول في وجوب الحجاب! - إلى آخر ما يقرع سمعك من كل مضحك مبكي.
ولا تعجب بعد ذلك إذ تعلم أن مقالات صاحب الترجمة في الوقائع والبرهان كانت من مهيئات الثورة ومضرماتها. فكأنما ألقت إليه الأقدار ذلك القلم الذي وضعته من قبل بين أنامل جان جاك روسو. فأقام به العالم وأقعده.