للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هيئة تحريرها، وكان من حظي أن عهد إلى أمر نقد تلك الأحكام، وتلخيص معانيها، ثم انتقلت من هذه الوظيفة إلى وظيفة ناظر قلم قضايا مديرية الجيزة. وهي كما تعلمون أشبه بوظيفة القاضي، إذ كان من خصائصه أن تصدر الأحكام في كثير من المواد الجزئية. فلما انفصلت من هذه الخدمة كما تعلمون وصفاً الجو من الأحداث لم يرق عيني أن أطرق باب أحد التماساً للرجوع في وظيفتي أو وظيفة غير هاوان كنت ممن يحب التواضع استغفر الله، بل إني رجوت من توسمت فيه الخير أن يساعدني لنيل وظيفة، فاعرض جهلاً منه غني ونأي بجانبه، فكبر عندي الأمر وازددت ميلاً إلى الأشغال بحرفة المحاماة وقلت لنفسي علام تحتمل يا سعد منه جهول، وما ضرك أن تكون مستقيماً بين مفسدين، بل ما ضرك أن تكون وردة بين الأشواك، فهان علي إذ ذاك أن احترف حرفة لم يكن فيها مناضل عن حق لوجه الحق.

هذا ما كان يحيط به حديث نفسي يوم أردت الاشتغال بحرفة المحاماة وأن في العالم الكوني وجوداً يحب صاحبه أن يشعر به، ذلك هو الوجود الإنساني. فكأن يخيل لي أن استقامتي في حرفة منيت بالفساد والضلال لابد من أن يعرف قدرها الوجود فأجتني ثمارها، وكنت لذلك أتوسم أن تأتي ظروف أحبها وتحبني.

إخواني - إنني اشتغلت بالمحاماة متنكراً عن أهلي وأصحابي وكلما سألني سأئل هل صرت محامياً أقول معاذ الله أن أكون كقوم خاسرين.

وجملة القول إني كنت أجتهد أن لا يعرفني إلا أرباب القضايا وإن كنت أجهل ماذا تكون العاقبة وقدر لي أني حبست في أول اشتغالي بهذه الحرفة ظلماً وعدواناً فنفعني مشروعي فيها وقد كنت أدافع عن الخصوم بالكتابة عن التقارير التي كانت تقدم إلى للإجابة على ما فيها من المسائل فانظروا إخواني في أمر محام كان يناضل عن الحق وهو منه سليب، وبعد أن انقضت مدة سحبني عدت إلى مزاولة هذه الصناعة لا أبقي بها غير الحقائق مطلباً - وكنت أحب أبدأ أن يحترمني القاضي فأحذر كل ما يؤدي إلى غير ذلك - ولعل سعادة الرئيس يذكر أنه لما كان بين أعضاء لجنة الامتحان التي طلبتني أمامها وسألتني ما هي واجبات المحامي. كان جوابي درس القضية جيداً - والمدافعة عن الحق واحترام القضاء.

سادتي تعلمون أن الحق صعب الاكتشاف وإن الحقيقة إذ تكون ضالة تتشعب طرق نشدانها