للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي عواطفه بل في أطماعه أيضاً. وما كان يبين عليه أن اقتناء المال داخل في برنامج أطماعه. أقول وليس هو في هذا المعنى استثناء من عظماء الرجال أمثاله. أولئك الذين ماتوا ولا أصفر ولا أبيض كأنهم الأنبياء لا يورثون.

فإن لم يتركوا تراثاً فقد تركوا مجداً خالداً.

نعم إن أطماع فتحي باشا كانت كبيرة متناسبة مع كفاءته وثقته بنفسه. ولكنها لم تكن من الأطماع الشخصية في شيء، إنه كان يألم لما نحن فيه ويرجو أن يكون له من السلطة ما يسهل لقومه سبيل التقدم إلى الأمام - قد تكون هذه العلة هي العذر العام الذي ينتحله كل المغرمين بالمناصبة العالية. ولكن فتحي ليس من هؤلاء لأنه كان ينفذ الخطة التي رسمها لمشاغله العمومية فأخذ يسهل التقدم بقلمه ومن الطبيعي أن يرجو أن يسهله بعمله أيضاً فيكون بذلك قد جمع بين سبي النفع لا كصديقه روسو الذي قال لو كنت شارعاً أو أميراً لا اعتضت عن الكتابة في السياسة بتحقيق ما أقرر من المبادئ. على أنه يجب عليَّ في هذا الموقف أن أسارع إلى التصريح بأن فتحي لم يقدم بين يدي أطماعه إلا كفاءته. أما شخصيته واستقلاله في الرأي فلا دخل لهما في هذه الصفقة. بل ربما كان حجر عثرة في سبيل ارتقائه.

على أن فتحي باشا مهما كان محسود القدرة فإنه كان دائماً عمدة الحكومة في كثير من المشروعات الدقيقة التي تحتاج إلى مفاوضات بين جهات مختلفة. وموضع الاستشارة من نظارته وغير نظارته في وضع القوانين. كما تشهد به الألسن الرسمية والتقارير الرسمية.

أيها السادة - كنا نكرم فتحي باشا في نحو هذا الأوان من العام الماضي ونتوج مؤلفاته. وها نحن أولاء جئنا اليوم نؤبنه ونتأسف على وفاته. فما أقل هذا الوجود حرصاً على الرجال النابغين!.

أيها السادة - إن صورة فتحي باشا الذي اشترك في رسمها جميع خطباء هذه الحفلة الممثلين للمعاني والطبقات المتباينة صورة ندخرها عند الزمان على أنها طليعة النهضة العلمية وأثر من آثار المجد المصري الفخيم ولنكون قدوة للنابغين من أبنائنا على مر الزمان، فاللهم لعبدك الأمين في خدمة العلم رحمة ولبلاده عزاء أنك، أنت السميع المجيب.

وقال أمير الشعراء أحمد بك شوقي يرثي الفقيد العظيم: