للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والخبز. وجريا على هذه السنة كان يجلب اللحم قطعاً ضخمة فيأكلون منها جديدة ما شاء أو يقددان الباقي برغم أنف كل جزار: بقرى وضاني. وأما الشراب فقد رشيا منه بنبيذ الشعير وكانا يصنعانه بأيديهما وبهذا الأسلوب استطاع ذانك الرجلان - راهبا العصور الحديثة - أن يعطيا العيشة كل حق ويحرما معظم الباعة والتجار كل درهم.

وكان كل منهما منفصلاً في جميع أمره عن أخيه لكل منهما مائدته وكرسيه ومجلسه ومتبغه وعباءته وكانت المراجل والقدور والصحاف مشتركة بينهما. ولم يكن لهما مواعيد غذاء ولا بسط ولا زرابى ولا مناضد ولا أسرة ولا صناديق ولا أدنى شيء من تحف الدور وآلة الزينة ولا خادمات للغسل والتنظيف والتنظيم والتأليف وكان أحدهما إذا أراد أكلاً أو شرباً تناول رغيفه وأخذ فلذة من اللحم فطبخها ولف هذه بتلك ثم نظف ثغره وارتشف ثغر كاسه من غير أن ينبس لرفيقه ببنت شفة أو يوميء إليه بنظرة وإذا جرى بخاطر أحدهما أنه في حاجة إلى غسل قميصه (وذلك نادر جداً) قام بنفسه إلى الحوض فغسله. وإذا اكتشف أحدهما أن جانباً من الدار قد تراكمت أقذاره عمد إلى سجل من الماء ومكنسة ثم اندفع يغسله كأنه وجار كلب. وإذا أراد أحدهما النوم تلفف في عباءته ثم انطرح على أحد مقعديه ونال من النوم ما شاء فربما كان ذلك في أوليات الليل وربما كان في أخرياته سيان عنده ذلك وذلك.

وإذا لم يكن هناك عمل من طحن أو خبز أو غرس أو طبخ أو غسل أو كنس. جلسا متقابلين يطويان رداء الزمن بالتدخين من غير أن يتبادلا لفظة واحدة أو يقرع مسمع أحدهما صوت أخيه. فإذا فتح الله عليهما بالكلام تشاتما وكان حديثهما حرب رهان ومعركة لجائزة ختامها السب الصريح والقذع الفاحش. فمثلهما في ذلك مثل المتلاكمين يبدآن بالمصافحة ثم لا يلبثان أن يتقارضا من اللكزات ما يذهب عن وجه كل منهما صورة آدم. وكان شرول المنصور في كل هذه المعارك لانطلاق لسانه مما تقيد به لسان سيده من أغلال الآداب وآثار التعليم المدرسي. ولقد كان شرول وإن حمل لقب الخدمة السيد الآمر الناهي. بفضل سبقه المبين لرئيسه في جميع ميادين السباب والفحش وفضله عليه في آلات الاغتصاب والعنف. إذ كان أطول لساناً وأجش صوتاً وأعظم لحية. وعندى أن أضمن العقوبات وقوعاً عقوبة التياه الفخور. وقد كان ترفرتون أسرع الناس إلى الفخر