للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

باستقلاله فلما وافته العقوبة أتته في صورة بشرية اسمها شرول.

نزل المستر ترفرتون من أعلى غرف الكوخ ذات صباح إلى غرفة بأسفل الدار مما يسميه المتمدينونمنظرة ولكنه بلا اسم عند هذين المتوحشين. نزل إلى أسفل الكوخ يحمل على وجهه أشنع صور السخط والنكد وفي عينيه أصرم نظرات الكره والحنق. وكان طول الغم والحزن والبغضاء والحقد والمقت قد أنضب ماء محياه وعرق لحم صدغيه. وأخلق ديباجتيه. وأغار عينيه. وسربل وجهه سفعة وشحوباً وطوح بهيئته وراء سنه بمراحل فخيل شيخاً بالياً وما طوى بعد مسافة الشباب. نزل إلى أرض الدار أشعث أغبر غير مغسول الوجه متلبد خصل اللحية في جلباب كتان وسخ يضطرب عليه من فرط السعة وقلة الإحكام كأنه الجوالق. فكان ذلك الرجل الشريف المحتد الناصع النسب نجل العلية الأمجاد. وسليل السادة الأجواد. يبدو كأنه خرج إلى العالم في أعماق السجون وجعل حرفته بيع الأطمار الخلقة والأسمال الرثاث.

وكان مغلقاً فوق المدفئة بالموضع الذي تعلق فيه المرآة في دار متمدينة قطعة من فخذ شاة. وعلى المائدة رغيف خشن غليظ أسمر وفي ركن الغرفة راقود من نبيذ الشعير. يتدلى فوقه من مسمارين على الحائط قد حان من الخشب مثلمان مشققان وكان ملقى تحت التنور شباك شواء كأنما قد نبذ النواة عقب استعماله آخر مرة. فأخرج المستر ترفرتون من جيب جلبابه سكيناً وضراً فأخذ فلذة من اللحم ثم ألقى الشباك على النار وأنشأ يشوي طعامه. وما هو إلا أن قلب الفلذة على الجمر حتى فتح الباب ودخل شرول في فمه متبغه يحتثه سائق الجوع مثل سيده.

وكان شرول قصيراً لحيماً رهل اللبات أصلع بطيناً. قد عوضه الله من ناصيته لحية وحفة كثيفة حقق الله في فرعها الجثلين السبطين البالغين ثندوتيه آمال زارعها وغارسها (هو السيد ترفرتون). وكان عليه (الخادم) رداء مزدوج الذيل أصابه في سوق الاطمار وقميص كأنه صفحة من تاريخ الأولين وأزار قد لبسه الدهر طفلاً. وجذاء لا عهد له باليرندج منذ نفض منه اليدين الصانع قد قلصت شفتاه حنقاً على البشر. بين محاجره جذوتان تتقدان:

يدير حجاجاه إذا الليل جنه ... شهاب لظى يعشى له المتنور

ولو أن مصوراً أراد وجهاً آدمياً قد جمع بين لوائح البطش والقوة والقحة والقبح والفظاظة