الله. وكانوا يعنون بصقل ورق الكتب وجودته ونصاعة بياضه. ويؤثرون تخلل أنواع المداد في سطور الكتاب وسلالة. وتذهب العناوين ورؤوس الأبواب والفصول وتحليتها بالرسوم والنقوش.
وكانت الدولة العربية من أقصاها إلى أقصاها حافلة بالمدارس والجامعات. في المغول والتتر والفرس والعراق والشام ومصر وأفريقية ومراكش وفاس وأسبانيا. ففي أقصى حدود هذه الدولة العظيمة التي فاقت الدولة الرومانية في اتساع ملكها وترابى نواحها قامت جامعة سمرقند وفي الحدود الأخرى جامعة جيرالدة في اسبانيا وقد قاتل جيبون في عرض كلامه على رعاية الخلفاء للعلم وأخذهم بناصر الأدب كان أمراء الأقاليم والولايات المستقلون في حق الرعاية كالخلفاء. وكان من مباراتهم بعضهم بعضاً ن انتشرت روح العلم بين سمرقند وبخارى وبين فارس وقرطبة، وكان من ذلك أن وزيراً من الوزراء (هو نظام الملك) أفرد من ماله مائتي ألف دينار لتأسيس جامعة في بغداد. يهبها في كل عام خمسة عشر ألف دينار. وكان الذين يتلقون فيها العلم ستة آلاف طالب. وكانت يجرى على فقراء الطلاب ومحاويجهم الصلات والأعطيات الكافية. وكانت الأساتذة تتناول أجوراً وفيرة. وكان الداعي إلى جمع الأسفار ونسخها في كل مدينة حب الاستطلاع من فريق المتعلمين والمجتهدين. والزهور والمحمدة من فريق السراة والأغنياء.
وكانت تفوض رعاية هذه المدارس والجامعات في بعض الأحايين إلى النسطوريين وفي أحيان أخر إلى اليهود، وكانوا يجزونهم الجزاء الأوفر، ويرفدونهم الرفد الأكبر، ولم يعتدوا بأي البلاد فيها ولد الطالب، ولا في أية عشيرة نشأ، ولا أي دين يعتنق. وأية آراء دينية يرى، ما دام العلم طلبته، والرغبة في التعلم حاجته.
وسارت الجامعات على مثال الجامعة الطبية التي كانت في القاهرة فكانت لا تخرج الطالب إلا بعد تأدية امتحان شديد دقيق. فإذا جازه الطالب أبيح له الاحتراف بصناعة. وأول مدرسة طبية أنشئت في أوروبا هي المدرسة التي أسسها العرب في ساليرن (سالرنو) من بلاد إيطاليا. وأول مرصد فلكي مرصدهم الذي أقاموه في اشبيلية من بلاد إسبانيا.
ولو شئنا أن نبين للقارئ نتائج هذه النهضة العلمية المدهشة لما اتسع نطاق هذا الكتاب، بل نقول إن العلوم القديمة تقدمت على أيدي العرب وتهذبت. وأخرجوا كذلك علوماً حديثة