طلابه: وألوف الدارسين فيه. وإذا ما أخرج الأزهر يوماً عبقرياً واحداً: فلا تظن أن المدارس كلها مستطيعة أن تخرج آخر على شكله وغراره. وهل كانت مدارسنا وغير مدارسنا قادرة على أن تخرج رجلاً على نحو الأستاذ الإمام ومثاله. وأنت إذا رجعت إلى الأزهر وأطلعت إلى إحصائيات طلابه لألقيت عدد ما يذبل بين جدرانه. ويذوي بين حيطانه يربي على الفئات. ويسمو على الألوف. ثم إذا أنت نظرت إلى عدد النوابغ من خريجيه والعبقريين من طلبته: لما وجدتهم إلا نفراً قليلاً.
هذا ولا غرو أن يسمى اللورد كرومر شيعة الأستاذ الإمام بفريق الجير وندفي النهضة المصرية إذ كان الجير وندهم حزب طلاب الإصلاح في إبان الثورة الفرنسية. وهم المعتدلون الذين كانوا يريدون إصلاحاً لا يلطخه دم: ولا يشوبه قتل ولا جرم، وهم العقلاء من دعاة الملكية الدستورية. لم يطلبوا أن يطاح برأس ذلك الملك المخلص الضعيف: ولا أن تدق عنق تلك الملكة الغر الطائشة. وإنما يريدون حق كل فرد عند الحكومة. دون أن يستغدوا عليها قوة ذلك الفرد. ولولا الجبليون المتطرفون، ولولا المجازر التي أقاموها: والدماء التي سفحوها. والنفوس التي أسالوها: لما كان للثورة الفرنسية ذلك الاسم المرعب: والتاريخ المخوف الرهيب. ولا تجد الثورة إلا لتشبه الداعي إليها في كل أطواره وحالاته. فليست الثورة الفرنسية إلا لتحكي جان جاك روسو في كل أحواله الطبيعية. ومزاجه الثوري: وعواطفه الحارة المضطرمة: والداعون إلى الثورة يبدأون بطلب حق مهضوم. وينتهون بأن يصبحوا لحقوق غير حقهم هاضمين. وهل ترى روبسبير ومورات ودانتون كانوا يقتلون ويذبحون إلا لأنهم يريدون أن يستخلصوا حق الشعب من الأرسقتراطية والكهنوت. لا ليردوه للشعب ويعيدوه. بل ليستفردوا هم به وحدهم، ولعل الشعب في الثورة وتحت الجمهورية الأولى. كان أسوأ حالاً منه تحت الملكية. فلما جن روبسبير بالسلطان. وأذهلت لبه مشاهد الدماء. وذهبت بعقله روعة الجلوتين أراد الشعب على دين جديد ينسخ به الدين القديم. وأسمى دينه ذاك عبادة المخلوق الأعلى وما كان المخلوق الأعلى في هذه العبادة إلا روبسبير نفسه، فهل كان هذا من حقوق الشعب المهضومة؟.
ولذلك لا تجد طلاب الثورة في أكثر الأحايين إلا طلاب المآرب وإذا لم يكونوا بادئ بدء طلاب مآرب. فإن الثورة جادلتهم. ولا ريب كذلك.