للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمترجم به في صف أولئك العبقريين كبار النفوس المنضوين تحت ذلك اللواء الذي حمله في طليعتهم جون ملتون. الشاعر الإنجليزي الخالد. وهو أعطني حرية القول. وحرية التفكير. وحرية الضمير. ولا تعطني قبل ذلك شيئاً وإنك لتسمع من كل فم. وتلقي علي كل شفة. اسم صاحب الترجمة مقروناً بتلك الصفة العظمى. والسجية الكبرى ونعني بها حرية الرأي. وصراحة القول والمبدأ. يرى الطبيعة التي فطره الله عليها شرعاً إلهياً مقدساً ينبغي أن لا يغير فيه الناس ويبدلوا. ولا يمحوا فيه ويثبتوا. وما كان الرجل العظيم إلا ليدلي برأيه أمام العالم كله: وإن اجتمعت أمته وأمم الأرض جميعاً على مخالفته في ذلك الرأي. وأنت فلا تسمع لأولئك الذين يقولون إن صوت الشعب هو من صوت الله فعله في أكثر الأحايين من صوت الشيطان وضرورة الحكومة الخارجية للإنسان لا تكون إلا على نقيض نسبة القوة التي يستعين بها الإنسان على حكومة نفسه فإذا استكملت الثانية واستجمعت، قلت الحاجة إلى الأولى ونقصت. ونمن ثم كلما ازدادت الفضيلة بضروبها وفروعها. ازدادت الحرية وعمت. والرجل الذي يقذف بأغراض الناس وآرائهم ويعمل بإرادته لا بإراداتهم. ويفكر بذهنه لا بأذهانهم. ليس إلا رجلاً تنزلت الآلهة على قلبه وصفت مشاعره من شوائب الحيوانية، وتنزهت عواطفه عن نقائص البشرية، وترى الرجل العظيم يجهر عالي الصوت برأيه في يومه، فإذا جاء عليه الغد، أعلن رأى غده في مثل جهارة صوته، ورفعة روحه، حتى وإن نقض رأى الغد رأي أخيه الأمس. لا يحفل بأن لا يفهم الناس من أمره شيئاً، وهل فهمت الإنسانية كلها في جميع أجيالها فيثاغورس وسقراط ولوثر، وغاليليه ونيوتون، وكل من على شاكلتهم من كل ذي روح نقية حكيمة ركبها الله في جسم ودم. والعظمة أخلق بأن لا تطلب الوضوح للناس. وأحرى بأن تدق على أنظار صغار الناس. وتغيب عن إفهام عاديي الرجال.

وكل ما ترى من عظمة العظماء. ونبل أرواحهم. وصراحة أفكارهم. وحرية ضمائرهم. ربيب العزلة. ووليد الابتعاد عن غمار الجماعات. إذ كان المجتمع في كل مكان يعمل على قتل رجولة كل فرد من أفراده. وما المجتمع إلا شركة مساهمة يدفع لها كل عضو من أعضائها حريته وفكره ثمناً لسهمه. ولا ينال من أرباح هذا السهم إلا خبزه وطعامه وأمانه. ولذلك كان عظماء العالم ومفكروه وقادته وعبقريوه هم الذين نشؤوا بعيدين عن المجتمع.