للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا ظبية ترعي بروض دائماً ... إني حكيتك في التوحش والحور

أمسى كلانا مفرداً عن صاحب ... فلنصطبر أبداً على حكم القدر

ومن أديبات الأندلس اللواتي ملأن الدنيا أدباً وفضلاً ولادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر قال ابن بشكوال صاحب كتاب الصلة كانت ولادة أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر وكانت تناضل الشعراء وتساجل الأدباء وعمرت عمراً طويلاً ولم تتزوج قط. ماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانية وأربعمائة وكان أبوها المستكفي قد بايعه أهل قرطبة لما خلعوا المستظهر وكان خاملاً ساقطاً وخرجت هي في نهاية من الأدب والظرف حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر، وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر. يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتَّاب على حلاوة عشرتها، وعلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب، وطهارة أثواب. مرت يوماً بالوزير ابن أبي عامر بن عبدوس وأمام داره بركة تتولد عن كثرة الأمطار وربما استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار وقد نشر أبو عامر كمية، ونظر في عطفيه، وحشر أعوانه إليه، فقالت له:

أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلا كما بحر

فتركته لا يحير حرفاً، ولا يرد طرفاً. وقال ابن سعيد في المغرب بعد أن ذكر أنها بالمغرب كعلية في المشرق. إلا أن هذه تزيد بمزية الحسن الفائق، وأما الأدب والشعر والنادرة وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صنعة في الغناء، وكان لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها. فيمر فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما اقتضاه عصرها من مثل ذلك. قال المقري: وفيها خلع ابن زيدون عذاره وقال فيها القصائد الطنانة والمقطعات وفيها يقول:

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم وما جفت مآقينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

إلى آخر القصيدة وهي مشهورة متداولة. وبسببها خاطب ابن عبدوس برسالته المشهورة، ومن قوله يخاطب ابن عبدوس:

أثرت هزبر الثري إذ ربض ... ونبهته إذ هدا فاغتمض