لمن تستجد الأرض بعدك زينة ... فتصبح في أثوابها تتبرج
وقوله:
(وظلت عيون النور تخضل بالندى ... كما أغرورقت عين الشجي لتدمعا)
(براعينها صوراً إليها روانياً ... ويلحظن ألحاظاً من الشجو خشعا)
وبين أغضاء الفراق عليهما=كأنهما خلا صفاء تودعا
هذا وليس أقطع في الدلالة على ضيق خلق ابن الرومي ونزق طبعه وقصر أناته من أهاجيه هذه والظاهر منها أنه كان يندفع في الشتم والذم وبسط اللسان في الناس لأهون سبب ومن أجل أشياء لا تهيج الرجل السليم الرشيد كأن يعيبه واحد بمشيته أو ينعي عليه صلعه فيفور فائره ويمتلئ غيظاً على عائبه ويتناوله بكل قبيح ويلصق به كل سوءة شنعاء ومعرة دهماء. وفي ضيق الخلق وتوعره برهان على الاضطراب واختلال توازن الأعصاب.
ولا ريب أن الناس كانوا يتحككون به ويهيجونه لما يعلمون من ضيق حظيرته وسرعة غضبه لأن الناس في العادة لا يستثيرون بالدعابة إلا الطياش لعلمهم أن الحليم الراسخ الوطأة لا تقلقله المجانة والمفاكهة أولست تري الأطفال والصبيان في الطرقات هل يستفزون إلا المرهق ومن يعلمون عنه الخفة والحدة والحدة وسرعة البادرة ولقد كان أهل زمانه يعيبون شعره على إقرارهم بمزيته وحسنه وإنشادهم له في المجالس وإملائه على طلاب الأدب في حلقات الدروس فهل تحسب أنهم كانوا يفعلون ذلك إلا ليستثيروه ويضحكوا منه؟ ولقد روينا لك فيما أوردناه من اخبار ابن الرومي أن بعضهم قال: كان ابن الرومي إذا فاجأه الناظر رأي منه منظراً يدل على تغير حال فهل بعد هذا شك في مرض ابن الرومي واختلال أعصابه؟.
بقي علينا أن ننظر في طيرة الرجل وأسبابه. (البقية في العدد الآتي)