على أن جارك لا يزال على مضه وألمه، لا يجد شيئاً يعزيه من تصريحك بأنك كنت مخطئاً ومسيئا، بل على النقيض، يتذكر المظهر المؤلم الذي ظهرت به يوم جئت إليه تنتقص نفسك في حضرته، فيحس أنه قد طعن طعنة أخرى، ولكنه مع ذلك لا يفكر في الانتقام لنفسه، ولا يستطيع أن يتصور أي ميزان عادل يعدل بين كفتك وكفته، والحقيقة أنك ما ركبت ذلك المركب، ومثلت ذلك الدور، إلا لنفسك وأمام نفسك، وإنما دعوت للحضور شاهداً لا لصالحه بل لصالحك - فلا تخدع نفسك!.
المجرمون والمرضى - لم نكد نبدأ درس طبائع المجرمين حتى انتهينا إلى استنتاج نتيجة لا نحول عنها ولا نرتد، وهي أن ليس بين المجرمين والمجانين فارق ذوبال، وذلكم الرأي هو أشد الآراء رسوخاً في الأذهان.
ولذلك لا ننزوي عن استنتاج نتيجة أخرى نبنيها على تلك. وهي أن نعامل المجرم معاملتنا للمجنون، لا بالإشفاق المتكبر عليه، ولا بالرحمة المتعجرفة المزهوة، وإنما بحذق الأطباء، ومهارة الإساة، وحسن النية - لعل المجرم بحاجة إلى تغيير الهواء، أو تغيير الوسط والبيئة، وما يدرينا لعله بحاجة إلى التغيب عن نفسه حيناً من الدهر، أم لعله يحتاج إلى العزلة، أو الاشتغال بحرفات أخر، بل قل لعله يحس أنه أجدى له أن يظل تحت المراقبة ردحاً من الزمان، حتى يحتمي من نفسه، ومن تأثير داخلي مرهق ثائر مستبد.
يجب علينا أن نبين له احتمال شفائه، ونوضح له وسائل علاجه، (وذلك بالقضاء على هذه المؤثرات الداخلية أو تغييرها أو تطهيرها) وفي الحالات الشديدة أن نفهمه عضل دائه، واستعصاء شفائه، ويجب أن نقدم إلى المجرم المعضل الذي أصبح حملاً ثقيلاً على نفسه، الفرصة السانحة للانتحار، ونبقي هذه الوسيلة آخر سهم في كنانتنا، ويجب أن ننتهز كل سانحة لنرد عليه شهامته وحرية روحه، ونطهر نفسه من كل ندامة أو تقريع وجدان، كأنما نطهرها من أكبر الأقذار والأدران، ونريه قدرته على أن يكفر عن مأثمة أساء بها إلى إنسان، بصنع جميل إلى غيره، أو إلى المجتمع كله، حتى ترجح موازين حسناته، بموازين سيئاته الماضية.
كل هذا يجب أن يؤدي أحسن الأداء، ويقضي بأشد الملاينة والدقة والحذق، وعلى المجرم