أن يظل باسمه، أو يبحث له عن اسم مستعار، وأن يغير مقامه في كل حين، حتى لا تتأثر سمعته في حياته المستقبلة.
نعم إن المعتدي عليه في زماننا لا يقنع من المجرم بأن يرد عليه ما فسد من أمره، بل يريد كذلك الانتقام، فيعمد إلى المحاكم يستعديها عليه لينال ترته، وهذا هو السبب الذي جعل قوانين العقوبات نافذة المفعول حتى اليوم كأنما في يد القضاء كفتان، يوازن بهما بين الجرم والعقاب، ولكن مالنا لا نخطو خطوة أخرى إلى الأمام؟ أفلا يكون من أحسن الخلاص، لعاطفة الحياة، أن نتخلص من اعتقادنا في الجرم، فنتخلص به من ميلنا القديم للانتقام، وبذلك ندرج إلى الاعتقاد بأن من الحكمة المصفاة المهذبة، أن يغفر السعداء لأعدائهم، ويحسنوا إلى الألى أساؤوهم، طبقاً لروح التعليم المسيحي. إلا تعالوا ننقذ العالم من فكرة الجرم، ونقذف معها فكرة العقاب، فليت أن هذه الآراء المسيخة المخيفة تعيش في نجوة عن مساكن الإنسان ومنازله، إذا كان من اللازم وجودها، أو إذا لم تكن تريد أن تفنى وتموت من احتقارها وسأمها من نفسها.
ولا يجب أن ننسى كذلك أن الضرر الذي يعود على المجتمع والفرد من المجرمين هو من نوع الضرر الذي يصيبها من المرضى، لأن المرضى ينشرون في المجتمع الأسى والهموم، والمرضى هم اللا مثمرون، يستغلون أثمار الغير ويأكلون منتوجاتهم، ويطلبون مع ذلك عنايتهم ومواساتهم، أطباءهم وممرضيهم، ويعيشون في الحقيقة على وقت الأصحاء وقوتهم، كل هذا ونحن نسم بالوحشية ذلك الذي يريد أن ينزل الانتقام بالمرضى، ويثير عليهم الويل والعذاب، والحال أن ذلك كان يحدث في العصور الخالية والأحقاب الغابرة، وفي المجتمعات والأوساط التي لا تزال على الفطرة، حتى بين المتوحشين في عصرنا هذا، يعامل المريض كمجرم وخطر على المجموع وويل، ويعتقدون أنه مهبط مخلوقات جنية شيطانية نفذت إلى بدنه من جريمة ارتكبها، هؤلاء الشعوب يرون أن المرضى هم المجرمون!.
أما نحن! ألسنا بعد أكفاء إلى القول بعكس هذا الرأي؟ ألا يباح لنا أن نقول المجرمون هم المرضى كلا. إن الوقت لم يحن بعد، نحن لا نزال نفتقد أولئك الأطباء الذين أحرزوا قسطاً من الآداب العملية، فأدخلوه في صناعة الطب، وعلم العلاج.