للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبناء أجيالهم، هم الهادموا القديم البانوا الجديد، هم خدام الإنسانية العمليون، ومصلحوها الحقيقيون، وفي رأس هؤلاء يقف فردريك نيتشه الفيلسوف المتوقد المستعر العظيم.

ونحن مقدمون إلى القراء شذرات غريبة من حياة هذا الرجل الغريب المجنون في نظر أعدائه وكارهيه. وأعقل العقلاء في أعين شيعته ومريديه ومنصفيه، ومنه يتبين القراء كيف تعيش العظمة، وكيف يكون العبقري خارجاً على طبائع الناس شاذاً متمرداً على أخلاق الطبيعة، متوثباً متهجماً على شرائع العالم، وإننا مازلنا نري صاحب العبقرية عرضة لأن يموت في مستشفى أو سجن أو مثقلاً بالدين أو موصوفاً بلوثة أو سبة.

من أبدع ما وقع من الاتفاق إن هذا الرجل الذي كان أعدى أعداء الديمقراطية وأشد الأرستقراطيين كبراً وشمماً وزهواً وأرستقراطية، وأشدهم بغضاً لكل ما هو حقير - يحمل اسم نيتشة ومعناها في اللغة البولندية الرجل الحقير!.

بل أغرب من ذلك وأعجب أن نيتشة الخارج على المسيحية الواقع في تعاليمها الشائم لمبادئها، كان وهو غلام يتمنى على الله أن يصبح قسيساً كوالده، وكان يلقب في المدرسة القس نيتشه!

ثم لم يكد يجوز الربيع العشرين وهو في الجامعة، حتى بدأ هذا القس الغلام يخلع عنه الرداء المسيحي الذي خلعه عليه آباؤه وأجداده، بل تصور لنفسك مقدار دهشة أمه ابنة القسيس واستنكارها لولدها إذ رفض الفتى نيتشة يوم شم النسيم سنة ١٨٦٥ أن يأتي كما هي العادة إلى العشاء الرباني وقد كتب يوماً وهو في المدرسة إلى أته وكانت تغار عليه من الريح إذا كنت تطلبين اطمئنان الروح وسعادة القلب فاعتقدي، وأما إذا كنت تريدين أن تكوني من خدام الحق ففكري ونقبي!.

وقد تعرف وهو شاب بواجنر أكبر الموسيقيين في العالم كله وكانت دار الموسيقى غير بعيدة عن داره، فلم يلبث أن أصبح الشاب نيتشه من المتحمسين لمذهب واجنر في الموسيقى الغاضبين له الناضجين عنه، وكان لواجنر في ذلك العهد أعداء كثر، فكم يوم مشرق جميل بهيج قضاه نيتشه في دار واجنر، وكم من لقاء حلو دار وحديث لذا طورح، ومضت أيام فأصبح نيتشه أعز عزيز في البيت وأحب زائر وأخلب جليس وكانت كوزما زوجة واجنر تميل إليه وتحب قربه، وتصبو إلى سمره، حتى لقد كانت توصيه بشراء