للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اللعبات لأطفالها.

ولما ظهر كتابه (منشأ التراجيديا) وهو باكورة كتبه لم يصادف من الجمهور إلا الاشمئزاز والتأفف والإعراض، بل أنه لم يجد في أول الأمر من أصحاب المطابع من يرضى بطبعه، وكان هذا الكتاب تحية من نيتشه لواجنر، ودفاعاً عنه وإعلاء لذكره وتشييداً بمكانه، وليس من ريب في أن الموسيقي وزوجته قابلاً الكتاب بالهتاف والتصفيق والترحاب على الرغم من اشمئزاز الجمهور وتأففه، وأما الأساتذة رصفاء نيتشه فهزوا له أكتافهم، بل قال أستاذ منهم لتلاميذه (إن الكتاب سخافة بحتة لا معنى لها) وحتى أصبح الناس ينصحون للشبان بأن لا يذهبوا لتلقي علم اللغة في جامعة بال.

ولا تسل عن حزن نيتشه وابتئاسه، أضف إلى ذلك أن وجنر ترك منزله في لوزون، فحرم نيتشه كذلك لقاء كوزما وسمرها وحديثها الرطب الجميل وكان هذا الرحيل ممهداً للجفاء بين الفيلسوف والموسيقار ومدعاة للقطيعة والعداء، نعم إن نيتشه عمل كل ما في سعته بقلمه وحبيبه لإنجاح واجنر والصعود به ذروة الشهرة الخالدة ولكن كان نيتشه في الوقت نفسه يخشى أن يعد واجنر يا ليس إلا وأن لا يحترم لقيمته الشخصية، وكان الجفاء ينمو بينهما ويكبر ويزداد وإن لم يصارح أحدهما به الآخر نعم إن واجنر ولا ريب كان ينظر بعض الأحيان إلى نيتشه كآلة من آلات شهرته ولكن أي رجل يلقى في طريقه عبقرية كهذه ولا يستخدمها لصالحه؟ على أن واجنر كان رفيقاً بصاحبه حدباً عليه مكرماً له، وكان يهتم بشأنه ويعني بحاله. ولو كان نيتشه اتبع نصيحة واجنر له وهي (تزوج يا صاح ثم سح) فمن يدري لعلنا كنا مبصرين من نيتشه أعظم من هذا وأسمى؟.

ومرض نيتشه مرضاً شديداً فانتقل إلى إيطاليا طلباً للصحة واسترجاعاً للعافية وكان وهو في مدينة جنوه يعيش أخشن العيش، ويحيا حياة البؤساء، بل كان يجهز طعامه التافه بيده على السبرتو وكان إذا انتابه الصداع - وكثيراً كان ينتابه - يلقي بنفسه بعد العشاء متبطي على المتكأ غير مستصبح بمصباح، وكان يتشاور الجيران في أمره قائلين بعضهم لبعض إنه لفقير، لا يستطيع أن يوقد ولو شمعة واحدة ولذلك جاؤوه يوماً بمصباح، فكان يشكرهم نيتشه ويشرح لهم أوجاعه وعذابه ولكنهم كانوا لا يقولون عنه إلا (جارنا القديس).

ولما كان في نابولي مع صديق له تعرف بآنسة تدعى (مايسنباج) سيدة حلوة المحضر